وبات محمود ليلته مع شملول، وباتت صبيحة مع أخيها صميدة، ودعا محروس إلى الفرح بعد أسبوع من مجيء محمود، ولم يكلفهم هذا الفرح شيئا، فقد تعاون أبناء الصعيد بروض الفرج في إقامة الفرح، وعرف الجميع العروسين الجديدين، وعرف العروسان أبناء الصعيد في المنطقة.
ومر أسبوع آخر ترك فيه محروس العروسين يستمتعان بعرسهما، ثم ... - وبعد يا شملول. - نعم. - نفكر فيما نحن مقبلون عليه.
وقال صميدة: أنت رئيسنا هنا. - اسمعوا نحن قيمتنا هنا بعملنا. - طبعا. - الفلوس تذهب الآن إلى البنك ونودعها. - كلها؟! - تقريبا. - وبعد؟ - أعددت لكل منكم عملا. - لكل منا؟ - شملول سيعمل في محل سليم الخشت لبيع الفاكهة بالزمالك، حتى يتعلم هذه الحرفة.
ويقول محمود: ونعم العمل! خاصة وهو يجيد القراءة والكتابة.
ويقول محروس: وأنت يا محمود وأنت يا صميدة ستعملان معي في المقاولات. فأنا لن أجد أحدا أطمئن إليه مثلكما. وبعد وقت قليل سأجعل كلا منكما يتولى مقاولاته الخاصة به.
وهكذا استقر المقام بالقادمين، وعرف كل منهم طريقه الواضح في الحياة.
9
حين حصل سامي على الابتدائية جلس إلى أبيه جلسة عرف بها الأب أن في نفس ربيبه أمرا يريد أن ينفضه على مسامعه. ولم يعجب الأب من تلك النظرة التي اتسمت بها عينا سامي منذ فترة؛ فقد تعود عليها. كان سامي إذا جلس إلى أبيه نظر إلى السماء حذرا أن تلتقي عيناه بعيني أبيه، ولم يعد الأب يعجب، ولكنه لما يزل جاهلا ما تعنيه هذه النظرة، ولا يجد لها سببا.
منذ عرف سامي ما عرف من أمر أبيه انشطرت نفسه شطرين، فهو ابن يكن لأبيه، أو لمن يظن أنه أبوه، كل العواطف التي تجيش في نفس ابن قبل أبيه من حب وشكر وولاء. وهو كإنسان تعلقت روحه بأسباب السماء، وأحب الله حتى تفانى في هذا الحب، يرى أن ما يصنعه أبوه بالناس إجراما واعتداء على حقوق الله، وعلى إنسانية الإنسان الذي جعله الله أكرم مخلوقاته. وكان في نفسه يتساءل لماذا يمتحنه ربه هذا الامتحان العسير؟ ويمزق مشاعره هذا التمزق، والله هو العدالة المطلقة؟ وهو سبحانه المطلع على القلوب، وهو سبحانه يعلم كم يفنى سامي في حب الله اللطيف الرحمن!
وفي هذه الحيرة كان سامي يتحرى دائما إذا جلس إلى أبيه ألا ينظر إليه عينا بعين؛ فقد كان يمثل في نظره تناقضا غير منسجم مع طبيعة الأمور، كيف يكون أبا حانيا، وزوجا بارا في بيته؟! وكيف يدمر حياة الناس الذين هم مثله آباء وأزواج وأخوة وأبناء؟!
Page inconnue