Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
وتارة وصفها بأوصاف هي بين الروحانية والجسمانية، مثل قوله تعالى:
مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ... .
33
أما ترى يا أخي أنه قال: مثل الجنة، على سبيل التشبيه والتمثيل ليقرب من الفهم تصورها؛ لأنه يقصر الوصف عنها بحقائقها. وإنما خاطب كل طائفة من الناس بحسب عقولهم ومراتبهم في المعارف والفهوم؛ لأن دعوة الأنبياء ، عليهم السلام، عموم للخاص والعام جميعا ومن بينهما من طبقات الناس. وقد صرح المسيح عليه السلام، في وصف الجنان ونعيم أهلها بأوصاف غير جسمانية، فقال للحواريين في وصية لهم: إذا فعلتم ما فعلت وما قلت لكم، تكونون معي غدا في ملكوت السماء عند أبي وأبيكم، وترون ملائكته حول عرشه يسبحون بحمده ويقدسونه، وأنتم هناك ملتذون بجميع اللذات بلا أكل ولا شرب. وإنما صرح المسيح، عليه السلام، ولم يرمز؛ لأن خطابه كان مع قوم قد هذبت نفوسهم التوراة وكتب الأنبياء، عليهم السلام، وكتب الحكماء أيضا، وكانوا غير محتاجين إلى الإشارات والتنبيهات، بل كانوا متهيئين لصورها مستعدين لقبولها.
فأما سيد الأنبياء وخاتم المرسلين صلى الله عليه وآله، فقد اتفق مبعثه في قوم أميين من أهل البوادي، غير مرتاضين بالعلوم ولا مقرين بالبعث والنشور ... فجعل أكثر صفة الجنان في كتابه جسمانية، ليقربها من فهم القوم ويسهل عليهم تصورها، وترغب نفوسهم بها. ونحن قد جعلنا بحثنا عن أسرار الكتب الإلهية، وبينا في أكثر رسائلنا معنى أسرار التنزيلات النبوية، وكشفنا عن أكثر الرموزات والإشارات وعن الموضوعات الناموسية. وذلك لأن خطابنا لا يكون إلا مع أقوام علماء فضلاء، مارسوا إخوان الصفاء ورسخوا في العلم، وارتاضوا بالرياضيات الحكمية المقرونة بأسرار الكتب الإلهية وإشارات الأنبياء عليهم السلام» (30: 3، 76-77).
من هنا فإن الاعتقاد بمادية عذاب جهنم ونعيم الجنة هو من الآراء والاعتقادات الفاسدة التي ينبغي على العاقل أن يتخلى عنها في سعيه نحو الارتقاء: «ومن الآراء الفاسدة رأي من يرى ويعتقد أن الله الرحيم الرءوف الحنان يعذب الكفار والعصاة في خندق في النار غيظا عليهم وحنقا، وكلما احترقت أجسادهم وصارت فحما ورمادا، عادت فيها الرطوبة والدم لتحرق مرة ثانية.
واعلم يا أخي أن هذا الرأي يسيء ظن صاحبه بربه، ويعتقد فيه قلة الرحمة وشدة القساوة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومن الآراء الفاسدة أيضا أنه يرى بأن أهل الجنة أجسادهم لحمية، وأجسامهم طبيعية مثل أجساد أبناء الدنيا، قابلة للتغيير والاستحالة، متعرضة للآفات. فإذا تأمل ما وصف الله تعالى في صفات أهل الجنة:
لا يمسهم فيها نصب ...
34
Page inconnue