Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
أما من قد تصور كيفية الدار الآخرة، وتحقق أمر المعاد، وعرف فضلها وشرفها وسرورها ولذاتها ونعيمها، فأي عذر له في التمني للخلود في الدنيا، مع ما قد عرف من آفاتها وشرورها، وأحزانها ومصائبها وبلياتها. فاجتهد يا أخي في طلب معرفة الدار الآخرة، وحقيقة أمر المعاد، لكيما تساق نفسك إليها، بعد الفراق، مع أهلك زمرا ، كما ذكر الله جل ثناؤه بقوله:
وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ... »
8 (38: 3، 305-309).
9
في البعث والقيامة الصغرى
إن أفكار إخوان الصفاء في البعث وقيامة النفس، وما يتصل بذلك من ثواب وعذاب وجنة ونار، على جانب من الغموض، بسبب محاولتهم التوفيق بين التفسير الظاهري الحرفي والتفسير الباطني لآيات القرآن. وهم يقولون: إن هذا العلم خاف عن أهل التقليد الذين يأخذونه تسليما وتصديقا، وإن أهل الحكمة والعرفان وحدهم من يعرف حقيقته. وبشكل عام، وعلى الرغم من كل محاولاتهم التوفيقية، فإن أفكار إخوان الصفاء في مسألة البعث والقيامة الصغرى التي هي قيامة الفرد إذا مات، تلتزم الخط الغنوصي الواضح، حيث يتركز إيمانهم على بعث النفس وقيامتها لا على بعث الجسد الفاني. ويبلغ تأويلهم ذروته في تصوراتهم عن الجنة والنار والحساب والثواب والعقاب، على ما سنراه في حينه: «اعلم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن العلوم كثيرة وكلها شريفة، وفي معرفتها عزة، وفي طلبها نجاة من الهلكة، ونيلها حياة للنفوس وراحة للقلوب ... ولكن بعض العلوم أشرف من بعض، وأهلها يتفاضلون. وذلك أن أفضل العلماء هم أهل الدين والورع الذين هم من أمر الآخرة على يقين وبصيرة لا على تقليد ورواية. واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن معرفة حقيقة الآخرة والعلم بالمعاد محجوب عن إبليس وذريته المنكرين لما غاب عن رؤية الأبصار، و[محجوب] عن أهل التقليد الذين لا يعرفون حقيقة ما هم مقرون به من أمر الآخرة والبعث والقيامة والحشر والحساب والميزان والصراط والمعاد والجزاء هناك ... لأن هذا العلم هو لب الألباب، وسر لأولياء الله دون سواهم ... ونريد أن نلوح من هذا العلم طرفا في هذه الرسالة الجليلة القدر [رسالة البعث والقيامة] بإشارات مرموزة، وأمثال مضروبة للمريدين لله عز وجل، الطالبين دار الآخرة؛ إذ كان الإخبار عن حقيقتها يدق عن البيان، ويبعد عن التصور بالأفكار والتخيل بالأوهام، إلا لأنفس زاكية وأرواح طاهرة وقلوب واعية وآذان سامعة ...
اعلم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الذين أنكروا أمر البعث والقيامة ... وما شاكل هذه الأمور المذكورة في كتب الأنبياء عليهم السلام، لشكوك في نفوسهم وحيرة في قلوبهم. والعلة في ذلك طلبهم حقيقة معرفتها ، وكيفيتها وأبنيتها وماهيتها وكميتها، قبل معرفتهم أنفسهم وحقيقة جوهرها، وكيفية كونها مع الجسد، ولم ربطت به وقتا ما ... ومن أين كان مبدؤها، وإلى أين يكون معادها بعد مفارقتها جسدها. وهذه المباحث علم غامض وسر لطيف، ليس إليها طريق للمبتدئين في العلوم الحكمية إلا التسليم والإيمان والتصديق للمخبرين عنها الصادقين عن الله، جل ثناؤه، الذين أخذوا هذا العلم عن الملائكة وحيا وإلهاما بتأييد من الله، جل ثناؤه.
وأما الذين لا يرضون أن يأخذوا هذا العلم تسليما وتصديقا، بل يريدون براهين عقلية وحججا فلسفية، فيحتاجون إلى أن تكون لهم نفوس زكية وقلوب صافية، وأذن واعية وأخلاق طاهرة، وأن يكونوا غير متعصبين في الآراء والمذاهب المختلفة، ومع ذلك يكونون قد ارتاضوا في الرياضيات الفلسفية من علم العدد والهندسة والمنطق والطبيعيات، ثم نظروا في العلوم الإلهيات ...
ثم اعلم يا أخي أن معنى القيامة مشتق من قام يقوم قياما، والهاء فيه للمبالغة، وهي [أي القيامة] من قيامة النفس من وقوعها في بلائها. والبعث هو انبعاثها وانتباهها من نوم غفلتها ورقدة جهالتها. وهي بالفارسية رست خيزاي [أي] قياما مستويا ...
واعلم يا أخي بأن الناس في أمر الآخرة على رأيين ومذهبين: فطائفة مقرة بها، وطائفة منكرة. فالمنكرون أمر الآخرة هم الذين يظنون أن حكم الإنسان بعد الممات كحكم النبات والحيوان ... فقالوا: ... نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ... .
Page inconnue