Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
ويورد الإخوان الحوار الآتي في ذم الدنيا ومدح الآخرة: «ويحكى عن بعض من كان يعتقد هذا الرأي أنه لقي أخا من رأيه فقال له: كيف أصبحت يا أخي، وكيف حالك من الدنيا؟ قال: بخير، ونرجو خيرا من هذا إن سلمنا من آفاتها وبلياتها، إن شاء الله تعالى؛ فكيف أنت وكيف حالك؟ قال ... أصبحنا في الدنيا معذبين في صورة المنعمين، مجبورين في صورة المختارين، مغرورين في صورة المغبوطين، أحرارا كراما في صورة عبيد مهانين، مسلطا علينا خمسة حكام يسوموننا سوء العذاب، ينفذون أحكامهم علينا شئنا أم أبينا، ليست لنا حيلة في الخروج عن أحكامهم، ولا دفع سلطانهم ، ولا الخلاص من جورهم إلى الممات.
قال: أخبرني من هؤلاء الحكام؟ قال: نعم. أولهم هذا الفلك الدوار الذي نحن في جوفه محبوسون، وكواكبه السيارة لا تزال تدور علينا ليلا ونهارا لا تقر، تارة تجيئنا بالليل وظلمته، وتارة بالنهار وحرارته، وتارة بالصيف وسمائمه، وتارة بالشتاء وزمهريره، وتارة بالرياح والعواصف في زعازعها، وتارة بالغيوم وأمطارها، وتارة بالرعود والزوابع وصواعقها، وتارة بالجدب والغلاء والموتان والبلاء، وتارة بالحروب والفتن، وتارة بالهموم والأحزان. ليس منها نجاة إلا بجهد وبلوى، وكدر وعناء، وخوف ورجاء إلى الممات. ثم قال: فهذا واحد.
وأما الآخر، فهو هذه الطبيعة وأمورها المركوزة في الجبلة، من حرارة الجوع، ولب العطش، ونار الشبق، وحريق الشهوات والآلام، والأمراض والأسقام، وكثرة الحاجات، وليس لنا شغل ليلا ولا نهارا إلا طلب الحيلة لجر المنفعة، أو لدفع المضرة عن هذه الأجساد المستحيلة [= المتغيرة] التي لا تقف على حالة واحدة طرفة عين، فنفوسنا منها في جهد وبلاء، وكد وعناء، وبؤس وشقاء. ليس لنا راحة إلى الممات. فهذا اثنان.
وأما الثالث فهو هذا الناموس، وأحكامه وحدوده، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، وزجره وتهديده وتوبيخه؛ إن خرجنا من أحكامه ضرب الرقاب والحدود، وإن فررنا منه لم نجد لذة في العيش ولا صلاح الوجود في الوحدة، وإن دخلنا تحت أحكامه فما نقاسي من الجهد والبلوى في إقامة حدوده أكثر مما يحصى، من ألم الجوع عند الصيام، وتعب الأبدان عند القيام بالصلاة، ومقاساة برد الماء عند الطهارات، ومجاهدة شح النفوس عند إخراج الزكاة والصدقات الواجبات، ومشقة الأسفار والأحكام عند قضاء الحج والجهاد؛ وما نقاسي من الألم عند ترك اللذات والشهوات المحرمات؛ وإن لم نأتمر ولم ننته، فالحدود والأحكام بحسب الجنايات. ومع هذه كلها
كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن يومئذ عن النعيم .
7
فهذه حالنا، ليس لنا منها خلاص ولا نجاة إلى الممات. فهذه ثلاثة.
وأما الرابع، فهذا السلطان المسلط الجائر الذي قد ملك رقاب الناس بالقهر والغلبة، واستعبدهم جبرا وكرها، يتحكم عليهم كما يشاء، ويرفع ويكرم من يريد ممن يخدمه ويطيعه، ويتصرف بين يديه ويمتثل أمره ونهيه، ويضع ويبعد من خالفه، ويعذب ويقتل من خانه أو غشه. فإذا خرجنا من مملكته، وفررنا من سلطانه، لا عيش لنا في الوجود في هذه الدنيا إلا عيشا نكدا ... وإن خدمناه وقمنا بواجب طاعته، فما نقاسي من الجهد والبلوى أكثر مما يحصى ... فهذه أربعة.
وأما الخامس، فهو شدة الحاجة إلى المواد التي لا قوام لهذا الهيكل إلا بها، من المأكولات والمشروبات واللباس والمسكن والمركب والأثاث ... وما نقاسي من الجهد والبلوى في طلبها ليلنا ونهارنا، في تعلم الصنائع والتجارات المتعبة، والمكاسب الكدة من الحرث والزرع، والبيع والشراء، والمناقشة في الحساب، والحرص والشره، وجمع الأموال وحفظها من حيل اللصوص ومكابرة القطاع، وأخذ السلطان لها بالجور والظلم، وحراستها من الآفات العارضة التي لا يحصى عددها. كل ذلك بالكد والعناء، والهموم والغموم، وتعب الأبدان، وعناء الأرواح، وشقاء النفوس التي لا راحة لنا منها إلى الممات.
فهذه حالنا يا أخي، وحال أبناء جنسنا في هذه الحياة الدنيا. فأما من يريد المقام في الدنيا، ويتمنى الخلود فيها مع هذه الآفات كلها، فهو من أجل إحدى خلتين: إما أنه لا يؤمن بالآخرة ولا يصدق بالمعاد، ولا يتصور الوجود إلا هكذا، ويظن ويتوهم أن بعد الموت عدما أو شرا محضا، فمن أجل هذا الرأي وهذا الاعتقاد يريد المقام في الدنيا ويتمنى الخلود فيها مع هذه الآفات كلها. ويكون معذورا في تمنيه وإرادته الخلود؛ لأن في جبلة الخلائق وفي طبائع الموجودات محبة البقاء وكراهية الفناء. فمن أجل هذه الخصال والشرائط يرضى أكثر أبناء الدنيا المقام فيها ويتمنون الخلود.
Page inconnue