Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
إذن وفي ظل معتقد التوحيد الإسلامي الصارم الذي يتبناه إخوان الصفاء، لا وجود للشر على المستوى الكوني، وما من أصل قديم للشر، ولا من ملحمة للصراع بين الأصلين، سواء أكانا قديمين أم كان أحدهما قديما والآخر محدثا، وما يبدو لنا من شرور جزئية على المستوى الطبيعي إنما تخدم صالحا عاما وخيرا شموليا، حتى وإن خفيت هذه الغاية أحيانا عن الأفهام. وبهذه النظرة لا يبقى من مجال للصراع بين الخير والشر إلا في النفس الإنسانية، وعلى مستوى الحياة الاجتماعية؛ لأن الإنسان هو الكائن الحر الوحيد المخير بين إتيان الشر أو إتيان الخير. فكيف عالج الإخوان هذه المسألة، وما هو دور إبليس في ذلك كله؟
في العديد من المواضع، وفي أكثر من قصة ومثل مما أورده الإخوان في رسائلهم، تم تصوير إبليس على أنه شخصية مستقلة ذات وجود موضوعي يسعى إلى إغواء البشر ودفعهم إلى إتيان الشرور، وذلك جريا على التفسير الظاهري لآيات القرآن الكريم. ولكنهم في غوصات التأويل لا يرون في إبليس إلا نوازع النفس الشهوانية الغضبية إذا تغلبت على نوازع النفس الناطقة. وليس اندحار إبليس في النهاية إلا تعبيرا عن وصول الإنسانية إلى ذروة ارتقائها في نهاية الزمن، وضعف النفس الشهوية الحائدة عن التقوى، وظهور النفس الناطقة عليها بتأييد من النفس الكلية التي تستعد الآن إلى التخلي عن الطبيعة التي تعلقت بها، والعودة إلى التعلق بالعقل لا يشوبها كدر من علق الطبيعة، فتقبل منه الخير الكلي والجود المحض، مما سنبحثه في فصل الآخرة .
وأما إبليس الروحاني الذي يجري مجرى الدم من ابن آدم، فهو كما قلنا في رسالة الأخلاق إنه منزلة النفس الغضبية الشهوانية الحائدة عن التقوى المعتكفة على شهوات الدنيا، فإنها أيضا في أوان دور الكشف [= نهاية الزمن] تضعف قوتها وتقل شهوتها، وتقهرها النفس الناطقة إذ أيدتها النفس الكلية، بظهور النفس الزكية والإفاضات العقلية وتلاشي الأمور الطبيعية وخراب المحاسن الدنيوية، وحدوث أمر الآخرة والنشأة الثانية والبعث الجديد والقيامة الكبرى، فلا يكون حينئذ نفس حيوانية؛ فذلك أن الحيوان لا يكون في مثل ذلك الزمان ... وأنه يترقى على التدريج حتى يلحق التمام. وعند بلوغ الأشياء إلى تمامها، وكونها على أفضل حالاتها وأتم نهاياتها في الفضائل، تتخلى النفس عن الطبيعة دفعة واحدة وترجع إلى التعلق بالعقل لا يشوبها كدر يعلق بها من علق الطبيعة، ولا عائق يعوقها، فتقبل منه الفيض الكلي والجود المحض ...
ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عن إبليس لما قال: ... فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين
22
عنى بهم الذين تخلصت أنفسهم الناطقة من أنفسهم الغضبية وقهروها ... قال:
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان .
23
وكل من غلب هواه على عقله فهو إبليس، وكل من أطاع نفسه الغضبية وداخلته الحمية الجاهلية والعصبية للباطل فهو شيطان ... تفقد يا أخي هذا الباب وانظر كيف تغلقه عمن استوجب إغلاقه دونه وتفتحه لمن استحق دخوله ... ولا تكشفه إلا لأهله ولا تظهره إلا لمستحقه بعد مؤكدات العهود ومعقدات المواثيق، وإلا هلكت وأهلكت ... فإن الجاهل عدو للعلم، ومن جهل شيئا عاداه» (جا: 39-40). وأيضا: «النفس الناطقة هي رئيسة الجسد ... وإن معها مقارنا لها يغويها ويخدعها، ويجذبها إلى شهوات الطبيعة ولذاتها، ويدعوها إلى كل ما نهيت عنه، وتناول ما حذرت منه وحظر عليها تناوله، وأمرها ربها بالبعد عنه والتخلي عنه، وأن لا تقربه ولا تدنو إليه إلا بقدر الحاجة إليه وما لا غناء لها عنه؛ وكانت الطبيعة ولذاتها الحسية، والانهماك في رقدة الجهالة ونومة الغفلة، وهي الشجرة المنهي عن قربها والممنوع من أكلها، وقد حذر عنها في بدء الأمر وزجر عنها بتبليغ الذكر. وكانت النفس الناطقة في هذا الموضع مثل آدم، وكانت النفس الشهوانية مثل إبليس الغوي المغوي. ولذلك أنه متى انخضعت النفس الناطقة للنفس الغضبية، وقبلت منها وسارعت إلى شهواتها وانهمكت في لذاتها، وقعت في الخطيئة، وفارقتها الأنوار العقلية وانكشفت عورتها، ونزع عنها لباس التقوى، واستوجبت العقوبة والهوان. كما قيل: إن إبليس كان أكثر همه وأشد عزمه لما أضمره لآدم هو أن يوقعه في الخطيئة ليزول عنه لباسه، ويسخط عليه ربه، وكذلك حال النفس الشهوانية مع النفس الناطقة. ولذلك قال الحكيم الناطق، النبي الصادق: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. [وقد] عنى بالجهاد الأصغر جهاد السيف للعدو والمخالف، وبالجهاد الأكبر مجاهدة النفوس الناطقة للنفوس الشهوانية الغضبية. فتأمل يا أخي هذا القول فإنه يؤيد ما ذكرناه» (جا: 64-65). «قال العالم المستبصر لأخ له من أبناء جنسه فيما جرى بينهما من المذاكرة في أمر الشياطين وعداواتهم: كيف عرفت الشياطين ووساوسهم؟ قال: إني لما نشأت وتربيت، وشدوت من الآداب طرفا، وأخذت من العلم نصيبا ... تبينت ما يجب علي من أحكام الناموس ... ثم قمت بواجبها جهدي وطاقتي بحسب ما وفقت له ... ثم تفكرت في قول الله تعالى:
إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ...
Page inconnue