Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
1
وقد جازتها النفس الحيوانية ونجت منها؛ وصورة الحيوان صراط ممدود على السطح، وقد جازتها النفس الإنسانية ونجت منها؛ وصورة الإنسان صراط مستقيم كالخط قائما منتصبا بين الجنة والنار وهي أخريات جهنم، فأي نفس جازها نجت من جهنم ودخلت الجنة التي هي صورة الملائكة، وإلا ردت إلى أسفل السافلين، كما ذكر الله تعالى:
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون
2 (29: 3، 47).
ونحن هنا أمام البوادر الأولى للنظرية الحديثة في التطور الطبيعي وارتقاء الأنواع، فالنبات قد نشأ عن عناصر الأرض الطبيعية، والحيوان قد نشأ عن النبات، والإنسان قد نشأ عن الحيوان. وهذا الارتقاء في الشكل المادي يرافقه ارتقاء روحي من الصراط المنكوس إلى الصراط المستقيم الذي يوصل إلى الصورة الملائكية التي تحررت من الشكل المادي، والتي هي الغاية القصوى: «واعلم أيها الأخ، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الجواهر المعدنية هي في أدون مراتب المولدات من الكائنات، وهي كل جسم متكون منعقد من أجزاء الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض؛ وأن النبات يشارك الجواهر في كونها من الأركان، ويزيد عليها وينفصل منها بأنه كل جسم يتغذى من الأركان وينمو ويزيد في أقطاره الثلاثة طولا وعرضا وعمقا؛ وأن الحيوان أيضا يشارك النبات في الغذاء والنمو، ويزيد عليه وينفصل عنه بأنه جسم متحرك حساس؛ والإنسان يشارك النبات والحيوان في أوصافها ويزيد عليها وينفصل عنها بأنه ناطق مميز جامع لهذه الأوصاف كلها.
ثم اعلم يا أخي بأن النبات متقدم الكون والوجود على الحيوان بالزمان؛ لأنه مادة لها كلها، وهيولى لصورها، وغذاء لأجسادها، وهو كالوالدة للحيوان، أعني النبات. وذلك أنه يمتص رطوبات الماء ولطائف أجزاء الأرض بعروقه إلى أصوله، ثم يحيلها إلى ذاته، ويجعل من فضائل تلك المواد ورقا وثمارا وحبوبا نضيجا ويتناوله الحيوان غذاء صافيا هنيئا مريئا، كما تفعل الوالدة بالولد إنها تأكل الطعام نضيجا ونيئا، وتناول ولدها لبنا خالصا سائغا للشاربين. فلو لم يكن النبات يفعل ذلك من الأركان لكان يحتاج الحيوان إلى أن يتغذى من الطين صرفا، ومن التراب سفا، ويكون منغصا في غذائه وملاذه. فانظر يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، إلى معرفة حكمة الباري، جل ثناؤه، كيف جعل النبات واسطة بين الحيوان وبين الأركان ...
ثم اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن من الحيوانات ما هو تام الخلقة كامل الصورة كالتي تنزو وتحبل وتلد وترضع، ومنها ما هو ناقص الخلقة كالتي تتكون من العفونات، ومنها ما هو كالحشرات والهوام بين ذلك، التي تبيض وتحضن وتربي. ثم اعلم بأن الحيوانات الناقصة الخلقة متقدمة الوجود على التامة الخلقة بالزمان في بدء الخلق ... وإن حيوان الماء وجوده قبل وجود حيوان البر بزمان
3 ...
واعلم يا أخي بأن الحيوانات التامة الخلقة كلها كان بدء كونها من الطين أولا، من ذكر وأنثى توالدت وتناسلت وانتشرت في الأرض سهلا وجبلا وبرا وبحرا، من تحت خط الاستواء حيث يكون الليل والنهار متساويين، والزمان أبدا معتدلا هناك بين الحر والبرد، والمواد المتهيئة لقبول الصورة موجودة دائما. وهناك أيضا تكون أبونا آدم أبو البشر وزوجته، ثم توالدا وتناسلت أولادهما وامتلأت الأرض منهم ...
ثم اعلم يا أخي بأن الحيوانات كلها متقدمة الوجود على الإنسان بالزمان؛ لأنها له ولأجله [وجدت]، وكل شيء هو من أجل شيء آخر فهو متقدم الوجود عليه. هذه الحكمة في أولية العقل لا تحتاج إلى دليل من المقدمات ونتائجها؛ لأنه لو لم يتقدم وجود هذه الحيوانات على وجود الإنسان لما كان للإنسان عيش هنيء، ولا مروءة كاملة، ولا نعمة سائغة، بل كان يعيش عيشا نكدا ...
Page inconnue