Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
وينبغي لنا أن نبين مبلغ قوة الإنسان في إدراك المعلومات والمحسوسات إلى أي نهاية، وهي جهده وطاقته في معرفة حقائق الأشياء، وإلى أي حد ينتهي؛ لأن في الناس طائفة من العقلاء لما تفكروا في حدوث العالم، وبحثوا عن العلة الموجبة لكونه، بعد أن لم يكن، لم يعرفوها ولم يتصوروا في عقولهم بدء كون العالم، فدعاهم جهلهم عند ذلك إلى القول بقدم العالم. ومنهم من لاح له شيء غير ما لاح للآخر، فاختلفت أقاويلهم في حدوث العالم والعلة الموجبة لكونه ...
ثم اعلم أن من تفكر في كيفية حدوث العالم وعلة حدوثه بعد أن لم يكن، ويريد أن يعرفها أو يتصور كيف كان ذلك، وهو جاهل لا يعرف كيفية تركيب جسده، ولا يتفكر في بنية هيكله، ولا يدري كيف كان بدء كون ذاتها، ولا يعلم ماهية جوهر نفسه ولا كيفية ارتباطها بجسده، ولا لأي علة ربطت به بعد أن لم تكن مربوطة، ولا لأي علة تفارق الجسد في آخر العمر ... هو يريد أن يعرف بدء كون العالم وكيفية حدوثه، وما تلك العلة الموجبة لكونه، مع جهله بما ذكرنا من هذه الأشياء التي هي أقرب إلى فهمه وأسهل لتعليمه، وأمكن لتصوره، فمثله كمثل رجل لا يطيق حمل مائة رطل، فهو يتكلف حمل ألف رطل، أو كمثل من لا يقدر على المشي، وهو يريد أن يعدو ...
ثم اعلم أنه إذا اعتبر أحوال الإنسان ومجاري أموره من ذلك، وحال جثته، فإنه متوسط بين الصغر والكبر، فلا صغير جدا ولا كبير مفرطا؛ فهكذا حال بقائه، فلا هو طويل العمر في الدنيا، ولا قصير المدة فيها؛ وهكذا حال وجوده، فلا هو متقدم الوجود على الأشياء، ولا متأخر عنها ... وهكذا حال رتبته في الشرف والدماثة متوسط؛ لأن من الموجودات ما هو أشرف منه كالملائكة المقربين، ومنها ما هو أدون منه كالبهائم؛ وهكذا حاله في القوة والضعف متوسط، فلا هو قوي متين ولا ضعيف مهين ... وهكذا حال قوة حواسه على إدراك المحسوسات، فلا يحس منها إلا المتوسطات بين الطرفين. وذلك أن القوة الباصرة لا تقوى على إدراك الألوان في الظلمة الظلماء، ولا على إدراكها في النور الباهر ... وهكذا قوة السمع لا تطيق استماع الصاعقة لشدتها وجلالتها، ولا تقوى أيضا على إدراك دبيب النملة ...
وهكذا قوة عقل الإنسان متوسطة، [فهو] لا يقوى على تصور الأشياء المعقولة إلا ما كان متوسطا بين الطرفين من الجلالة والخفاء. وذلك أن من الأشياء المعقولة ما لا يمكن عقل الإنسان إدراكه وإحاطة العلم به لجلالته وشدة ظهوره وبيانه ووضوحه مثل جلالة الباري عز وجل، فإنه لا يقوى عقل الإنسان على إدراكه وإحاطة العلم بماهية ذات جلالته، وذلك لشدة ظهوره ووضوح بيانه، لا لخفاء ذاته وشدة كتمانه؛ و[أيضا] مثل عجز الإنسان عن تصور صورة العالم بكليته، لشدة كبره وظهوره لا لصغره وخفائه؛ ومثل عجزه أيضا عن إدراك الصور المجردة عن الهيولى لشدة صفائها ولطافتها ونفوذها في الأشياء ...
ثم اعلم أنه ليس إلى معرفة علل هذه الأشياء وصول إلا أن تؤخذ من الأنبياء، عليهم السلام، تقليدا كما أخذوها عن الملائكة تسليما.
ثم اعلم أن نسبة علم البشر إلى علم الملائكة ومعرفتهم، كنسبة علم حيوان البحر إلى حيوان البر ومعرفتها بأمورها، وكعلم حيوان البر إلى علم البشر ومعرفته بأمورها. وذلك أن حيوان الماء لها حس وحركة وتمييز تتصرف بها من طلب غذائها ومصالحها ومنافعها والهرب من عدوها وعرفانها ذكرانها وإناثها وأبناء جنسها؛ فأما إحساسها بأحوال حيوان البر ومعرفتها بأمورها، فليس لها إلى معرفة ذلك إلا شيء يسير. وهكذا علم حيوان البر بأحوال البشر ومعرفتها بأمور الناس، فليس لها إلا شيء يسير. وهكذا علم البشر بأحوال الملائكة، ومعرفتهم بأمور الذين في فضاء الأفلاك وطبقات السماوات، فليس لهم بها علم إلا شيء يسير. وهكذا أحوال الملائكة في مراتبها ومقاماتها، متفاوتة متباينة، الأول فالأول والأشرف فالأشرف. وفوق كل ذي علم عليم وإلى ربك المنتهى ...
ثم اعلم أن علم جميع الخلائق بالنسبة إلى علم الله تعالى، ليس إلا كالجزء اليسير، كما قال تعالى:
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ...
33
يعني علم الله. وقال: ... ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ... .
Page inconnue