Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
فأما النفس فحياتها ذاتية لها، وذلك أنها بجوهرها حية بالفعل، علامة بالقوة، فعالة في الأجسام والأشكال والنقوش والصور طبعا، وأن موتها هو جهالتها بجوهرها، وغفلتها عن معرفة ذاتها؛ وأن ذلك عارض لها من شدة استغراقها في بحر الهيولى، ولبعد ذهابها في هاوية الأجسام ...
اعلم أن الجسد ميت بجوهره، وأن حياته عرضية لمجاورة النفس إياه، كما أن الهواء مظلم بجوهره، وإنما ضياؤه بإشراق نور الشمس عليه والقمر والكواكب. والدليل على أن الجسد ميت بجوهره ما يرى من حاله بعد مفارقة النفس إياه له، كيف يتغير ويفسد ويتلاشى ويرجع إلى التراب» (29: 3، 38-40).
وأثناء فترة ارتباط النفس بالجسد، ما بين مسقط النطفة في الرحم وفجوة القبر، يكون الجسد عالة على النفس وعبئا، لا تستريح منه إلا بمفارقته: «فمن عيوب هذا الجسد كون النفس كمحبوس في كنيف [= المرحاض]؛ لأن الكنيف بالحقيقة هو هذا الجسد، فهو ينبوع لكل قاذورات من وسخ وبول وغائط ومخاط وبصاق ودم وصديد ولعاب وعرق نتن وبخر وصنان. وإن كل ما يكون في الكنيف من القاذورات فمنه [أي من الجسد] يخرج وفيه يتكون؛ فأوله نطفة قذرة وآخره جيفة منتنة، وما بين الحالتين مملوء عذرة، والنفس على دوام الأوقات [مشغولة] في تنظيفه وغسله وتنقيته ومداواته وستر عوراته، وحفظه من آفات الحر والبرد والجوع والعطش والصدمة والضربة، والآفات العارضة التي لا يحصى عددها.
وبالجملة، فليس في العالم نتن ولا نجاسة ولا قاذورة ولا جيفة إلا منه. ومن وجه آخر فنقول: مثل النفس مع الجسد كعابد صنم يعبده، بالليل والنهار؛ وذلك أن النفس إذا تركت تعلم العلم وعبادة الله عز وجل، والنظر في أمور معادها بعد فراق الجسد ... واشتغلت بما يكون فيه صلاح الجسد من الأكل والشرب واللباس والمسكن والمركب وما شاكلها من أنواع زينة الدنيا، فتكون كأنها هودي [= يهودي] يعبد صنما كما ذكر تعالى:
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون .
16
ومن وجه آخر فنقول: الجسد كأنه كافر محجوب عن الله تعالى، لا يعرفه ولا يدري من خلقه ورزقه. ومن وجه آخر، كأنه صاحب بدعة يدعو على هواه، ويريد أن تكون الأمور بمراده. ومن وجه آخر، كأنه جاهل عجول لا ينظر في العواقب. وأيضا كأنه عدو للنفس يظهر الصداقة ويكتم العداوة. وأيضا كأنه شيطان من كثرة الوساوس. وأيضا كأنه إبليس يدعو إلى العداوة. وأيضا كأنه ميت على جنازة حملتها النفس على كتفها لا تستريح منه، يا ويلتها، حتى إذا دفنته في التراب. وأيضا كأنه غيم بين أبصار الناظرين ونور الشمس؛ لأن ظلمات أخلاط الجسد تمنع عن النظر إلى نور العقل، وهو يمطر الآمال وينسي الآجال» (29: 3، 49-50). وأيضا: «مثل هذه النفس الجزئية، مع شرف جوهرها ، وما هي عليه من غربتها في هذا العالم الجسماني، وما قد ابتليت به من آفات هذا الجسد وفساد هيولاه، كمثل رجل حكيم في بلد الغربة قد ابتلي بعشق امرأة رعناء، فاجرة جاهلة، سيئة الأخلاق، رديئة الطبع، وهي في دائم الأوقات تطالبه بالمأكولات الطيبة، والمشروبات اللذيذة، والملبوسات الفاخرة، والمسكن المزخرف والشهوات المردية؛ وإن ذلك الحكيم، من شدة محبتها لها وعظم بلائه بصحبتها، قد صرف كل همته إلى إصلاح أمرها، وأكثر عنايته بتدبير شأنها، حتى نسي أمر نفسه وإصلاح شأنه، وبلدته التي خرج منها، وأقرباءه الذين نشأ معهم أولا، ونعمته التي كان فيها بديا» (48: 4، 183).
على أن مثالب الجسد هذه، لا تعني عند إخوان الصفاء رفضه بشكل كلي، وإنما رفض العبودية له والانصياع لكل رغباته. فالإنسان مثنوي في تكوينه مؤلف من جسد ونفس، وكما سنرى فيما بعد فإن هذا الجسد هو الصراط المستقيم الذي تجوز عليه النفس مرتقية نحو الدرجات العليا: «واعلم يا أخي بأن الصفات المختصة بالجسد بمجرده، هي أن الجسد جوهر جسماني طبيعي ... وهو متكون من الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم والمرتان، المتولدة من الغذاء الكائن من الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ذوات الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وهو منفسد ومتغير ومستحيل وراجع إلى هذه الأركان الأربعة بعد الموت ... أما الصفات المختصة بالنفس بمجردها، فهي أنها جوهرة روحانية سماوية نورانية، حية بذاتها، علامة بالقوة، فعالة بالطبع، قابلة للتعليم، فعالة في الأجسام ومستعملة لها، ومتممة للأجسام الحيوانية والنباتية إلى وقت معلوم؛ ثم إنها تاركة لهذه الأجسام ومفارقة لها، وراجعة إلى عنصرها ومبدئها ... وأعيذك أيها الأخ البار الرحيم أن تكون من الذين ذمهم رب العالمين بقوله: ... لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ...
17
أفترى ذمهم من أجل أنهم لم يكونوا يعقلون أمر معيشة الدنيا ؟ إنما ذمهم لأنهم لم يكونوا يتفكرون في أمر الآخرة والمعاد ...
Page inconnue