Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
فأما النفس، يعني الروح، فهي جوهرة سماوية، نورانية، حية، علامة، فعالة بالطبع، حساسة دراكة، لا تموت ولا تفنى، بل تبقى مؤبدة إما ملتذة وإما مؤتلمة. فأنفس المؤمنين من أولياء الله وعباده الصالحين، يعرج بها بعد الموت إلى ملكوت السماوات وفسحة الأفلاك، وتخلى هناك، فهي تسبح في فضاء من الروح وفسحة من النور وروح وراحة إلى يوم القيامة ... وأما أنفس الكفار والفساق والأشرار، فتبقى في عماها وجهالاتها، معذبة متألمة، مغتمة حزينة، خائفة وجلة إلى يوم القيامة» (38: 3، 288-290). «واعلم يا أخي أن العلوم كلها شريفة، ونيلها عز لصاحبها، وعرفانها نور لقلوب أهلها، وهداية وحياة لنفوسهم ... ولكن قيل: بعض العلوم أشرف وأفضل وأكرم. فأشرف العلوم وأجل المعارف التي ينالها العقلاء المكلفون معرفة الله جل ثناؤه، والعلم بصفات وحدانيته وأوصافه اللائقة به. ثم بعد هذا معرفة جوهر النفس، وكيفية تصاريف أحوالها في جميع الأزمان الماضية والآتية والحاضرة، ثم كيفية تعلقها بالأجسام، وتدبيرها للأجساد، واستعمالها الأبدان مدة، ثم كيفية تركها لها ومفارقتها إياها، وتفردها بذاتها ولحوقها بعالمها وعنصرها وجوهرها الكلي. ثم معرفة البعث والقيامة والحشر ...
واعلم يا أخي أن هذا الفن من العلوم هو لب الألباب، وإليه ندب ذوو العقول الراجحة والحكمة الفلسفية دون غيرهم من الناس؛ لأن هذا الفن من العلم والمعارف آخر مرتبة ينتهي إليها الإنسان في المعارف، مما يلي رتبة الملائكة.
5
ومن أجل هذا هو مكلف متعبد وقاصد نحوه، منذ يوم [أن] خلقه الله تعالى إلى يوم يلقاه، فيوفيه حسابه، وهو الغرض الأقصى من وجود النفس وتعلقها بالأجساد، ونشوئها معها وتتميمها وتكميلها.
واعلم يا أخي أيدك الله وإيانا بروح منه، أنك إذا أردت النظر في هذا العلم الشريف، والبحث عن هذا السر اللطيف، تحتاج إلى أن تقصد إلى أهله وتسألهم عنه، كما يقصد في سائر العلوم والصنائع إلى أهلها، كما قيل: استعينوا على كل صناعة بأهلها .
واعلم أن أهل هذه الصناعة، وعلماء هذه الأسرار هم إخواننا الكرام الفضلاء [= إخوان الصفاء]. فانظر يا أخي فيما قالوا، وتأمل ما وصفوه من حقائق الأشياء التي أنت مقر بها بلسانك، وتؤمن بقلبك، ثم تفكر فيما تسمع، وتأمل ما يوصف لك، وميزه ببصيرتك، واعرضه على عقلك الذي هو حجة الله عليك، والقاضي بينك وبين أبناء جنسك، فإن اتضحت لك حقيقة ما تسمع، وتصورت ما يصفون، وتيقنت ما يخبرون، فبتوفيق من الله وهداية منه ... وإن لم يتفق لك يا أخي لقاء أحد من أهل هذه الصناعة، بحيث أن تسأله عن حقيقة هذا السر ... فاسلك في هذا البحث والنظر طريقة الحكماء النجباء، واستعمل القياس البرهاني الذي هو ميزان العقول، كما وصف في المنطق. وقد بينا من علم المنطق، في رسائل شبه المدخل والمقدمات ما فيه كفاية» (38: 3، 301-303).
وبما أن معرفة النفس التي تقود إلى معرفة الله هي الغرض الأقصى من العلوم، فإليها ندب إخوان الصفاء رسائلهم كلها، وهي غاية كل تعليم فلسفي: «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن غرض الفلاسفة الحكماء من النظر في العلوم الرياضية، وتخريجهم تلامذتهم بها، إنما هو السلوك والتطرق منها إلى علوم الطبيعيات، وأما غرضهم من النظر في الطبيعيات فهو الصعود منها والترقي إلى العلوم الإلهية، الذي هو أقصى غرض الحكماء، والنهاية التي إليها يرتقى بالمعارف الحقيقية. ولما كان أول درجة من النظر في العلوم الإلهية هو معرفة جوهر النفس، والبحث عن مبدئها من أين كانت قبل تعلقها بالجسد، والفحص عن معادها إلى أين تكون بعد فراق الجسد [ذلك الفراق] الذي يسمى الموت، وعن كيفية ثواب المحسنين كيف يكون في عالم الأرواح، وعن جزاء المسيئين كيف يكون في دار الآخرة. وخصلة أخرى أيضا، لما كان الإنسان مندوبا إلى معرفة ربه، ولم يكن له طريق إلى معرفته إلا بعد معرفة نفسه، كما قال الله تعالى:
ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ...
6
أي جهل النفس؛ وكما قيل: من عرف نفسه فقد عرف ربه. وقد قيل أيضا : أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. [فإذن] وجب على كل عاقل طلب معرفة النفس ومعرفة جوهرها، وتهذيبها. وقد قال الله تعالى:
Page inconnue