Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
12 (48: 4، 166).
لقد وصفوا الخلافة العباسية بأنها دولة أهل الشر وتوقعوا زوالها وحلول دولة أهل الخير محلها، ولكنهم رأوا أن هذا الزوال محكوم بحتمية تاريخية سوف تقود إليه، وأن عليهم الاستعداد لتلك اللحظة الآتية دون استعجالها بالعنف: «واعلم بأن كل دولة لها وقت منه تبتدي، وغاية إليها ترتقي، وحد إليه تنتهي؛ فإذا بلغت إلى أقصى غاياتها ومدى نهاياتها تسارع إليها الانحطاط والنقصان، وبدا في أهلها الشؤم والخذلان ... والمثال في ذلك مجاري أحكام الزمان، وذلك أن الزمان كله نصفان، نصفه نهار مضيء، ونصفه ليل مظلم، وأيضا نصفه صيف حار ونصفه شتاء بارد، وهما يتداولان في مجيئهما وذهابهما ... وكلما تناهى أحدهما في الزيادة ظهرت قوته وكثرت أفعاله في العالم، وخفيت قوة ضده وقلت أفعاله. فهكذا حكم الزمان في دولة أهل الخير ودولة أهل الشر: تارة تكون الدولة والقوة وظهور الأفعال في العالم لأهل الخير، وتارة تكون الدولة والقوة وظهور الأفعال في العالم لأهل الشر ...
وقد نرى أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه قد تناهت دولة أهل الشر وظهرت قوتهم وكثرت أفعالهم في العالم في هذا الزمان، وليس بعد التناهي في الزيادة إلا الانحطاط والنقصان. واعلم بأن الدولة والملك ينتقلان في كل دهر وزمان ودور وقران من أمة إلى أمة، ومن أهل بيت إلى أهل بيت، ومن بلد إلى بلد.
واعلم يا أخي أن دولة أهل الخير يبدأ أولها من قوم علماء حكماء وخيار فضلاء، يجتمعون على رأي واحد، ويتفقون على مذهب واحد ودين واحد، ويعقدون بينهم عهدا وميثاقا أن لا يتجادلوا ولا يتقاعدوا عن نصرة بعضهم بعضا، ويكونون كرجل واحد في جميع أموره، وكنفس واحدة في جميع تدبيرهم فيما يقصدون من نصرة الدين وطلب الآخرة، لا يبتغون سوى وجه الله ورضوانه جزاء ولا شكورا. فهل لك أيها الأخ البار الحكيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن ترغب في صحبة إخوان لك نصحاء، وأصدقاء لك أخيار فضلاء، هذه صفتهم، بأن تقصد مقصدهم وتتخلق بأخلاقهم، وتنظر في علومهم لتعرف مناهجهم، وتكون معهم وتنجو بمفازاتهم، لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون» (4: 1، 180-182).
ومن حديث الإخوان عن المدينة الفاضلة التي يسعون إلى بنائها، يظهر بكل وضوح أنهم ليسوا في سبيل ملك أرضي وإنما في سبيل ملكوت سماوي، وليس تنظيم إخوان الصفاء إلا الصورة الأرضية عن ذلك الملكوت المنشود. فمدينتهم تؤسس على تقوى الله لا على أبنية مادية حجرية، ويشيد بناؤها لا من لبنات الآجر والقرميد بل من لبنات الصدق في الأقاويل والتصديق في الضمائر، وتتم أركانها على الوفاء والأمانة. ولا ينبغي أن يكون بناء هذه المدينة في الأرض ولا على وجه الماء ولا مرتفعا في الهواء وإنما في الأعالي بحيث يشرف على سائر البلدان. أي إن هذه المدينة ستكون منزهة من العناصر التي تؤلف الوجود المادي. وينبغي أن يكون الهيكل التنظيمي لهذه المدينة مرتبا على أربع مراتب هي مراتب تنظيم إخوان الصفاء نفسه: «وينبغي لنا أيها الأخ، بعد اجتماعنا على الشرائط التي تقدمت من صفوة الإخوان، أن نتعاون ونجمع قوة أجسادنا ونجعلها قوة واحدة، ونرتب تدبير نفوسنا تدبيرا واحدا، ونبني مدينة فاضلة روحانية، ويكون بناء المدينة في مملكة صاحب الناموس الأكبر الذي يملك النفوس والأجساد؛ لأن من ملك النفوس ملك الأجساد، ومن لم يملك النفوس لم يملك الأجساد. وينبغي أن يكون أهل هذه المدينة قوما أخيارا حكماء فضلاء مستبصرين بأمور النفوس وحالاتها، وما يتبع ذلك من أمور الأجساد وحالاتها. وينبغي أن يكون لأهل المدينة سيرة جميلة كريمة حسنة يتعاملون بها فيما بينهم، وأن يكون لهم سيرة أخرى يعاملون بها أهل المدن الجائرة.
ولا ينبغي أن يكون بناء هذه المدينة في الأرض حيث تكون أخلاق أهل سائر المدن الجائرة؛ ولا ينبغي أيضا أن يكون بناؤها على وجه الماء؛ لأنه يصيبها من الأمواج والاضطراب ما يصيب أهل المدن التي على السواحل من البحار، ولا ينبغي أن يكون بناء هذه المدينة في الهواء مرتفعا لكيلا يصعد إليها دخان المدن الجائرة فتكدر أهويتها، وينبغي أن تكون مشرفة على سائر المدن ليكون أهلها يشاهدون حالات أهل سائر المدن في دائم الأوقات، وينبغي أن يكون أساس هذه المدينة على تقوى الله كيلا ينهار بناؤها، وأن يشيد بناؤها على الصدق في الأقاويل والتصديق في الضمائر وتتم أركانها على الوفاء والأمانة كيما تدوم ويكون كمالها على الغرض في الغاية القصوى التي هي الخلود في النعيم. فإذا فرغنا من بنائها بنينا المركب الذي هو سفينة النجاة، حتى تكون السفينة مستقلة بثقل الأجساد وتكون المدينة مأوى الأرواح.
وينبغي أن يكون تعاون أهل المدينة مرتبا أربع مراتب: إحداهما مرتبة أرباب الأركان الأربعة ذوي الصنائع، والثانية مرتبة ذوي الرياسات، والثالثة مرتبة الملوك ذوي الأمر والنهى، والرابعة مرتبة الإلهيين ذوي المشيئة والإرادة ...
واعلم أيها الأخ علما يقينا أن هذه المدينة مفروغ من بنائها على هذا الوصف، ولكن لا يمكن أحدا أن يدخل مدينتنا هذه متى لم يكن علمه مساويا لعلمنا؛ لأن حولها أربعة أسوار مبنية من جهالات الناس، ما بين كل سورين خندق من سوء أعمالهم وفساد آرائهم ورداءة أخلاقهم، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم. فمن عزم على دخولها فعليه بعلم النفس ومعرفة جوهرها، فإنه أولى بأن يستفتح في مدينتنا. وقد بينا كل ما يحتاج إخواننا، أيدهم الله، إليه من هذا العلم في إحدى وخمسين رسالة. فانظر فيها أيها الأخ إن لم يكن يستوي لك الحضور في مجلسنا، واعرضها على إخوانك الذين ترتضيهم وتأنس منهم الرشد والسداد، لعلكم توفقون لفهم معاني ما ذكرنا فيها من معاني فنون العلم وغرائب الحكم، وترشدون إلى العمل بما يقربكم إلى الله زلفى» (48: 4، 171-172).
هذا السعي الروحي للإخوان وطلبهم لسعادة النفس في العالم الآخر، ولجوئهم للأساليب السلمية في نشر دعوتهم، لم تعن أبدا أنهم قد أداروا ظهورهم لمشكلات عصرهم ومجتمعهم، بل على العكس من ذلك؛ فرسائلهم طافحة بالنقد الاجتماعي والسياسي. ويتركز هذا النقد بشكل خاص في حكاية احتكام الإنس والأنعام إلى ملك الجن بيراست، والتي تشغل عشرات الصفحات من الرسالة 22، وهي الرسالة الثامنة من القسم الثاني الطبيعي. وهي حكاية مليئة بالرموز والتوريات ذات الدلالات العميقة. نقرأ على لسان الببغاء هذا النقد اللاذع الذي لم يستثن حتى مقام الخلافة نفسه: «وأما تجاركم فيجمعون من حرام وحلال، ويبنون الدكاكين والخانات، ويملئونها من الأمتعة ويحتكرونها، ويضنون بها على أنفسهم وجيرانهم وأحبابهم، ويمنعون الفقراء والمساكين حقوقهم، ولا ينفقون حتى تذهب جملة واحدة، إما في حرق أو غرق أو سرقة أو مصادرة سلطان جائر أو قطع طريق، وما شاكل ذلك. ويبقى هو بحزنه ومصيبته معاقبا بما كسبت يداه، فلا زكاة أخرج، ولا صدقة أعطى، ولا يتيما بر ...
وأما الذين ذكرتهم من الكتاب والعمال وأصحاب الدواوين، وافتخرت بهم، فهكذا يليق بكم الافتخار بالأشرار الذين يهتدون إلى أسباب الشرور ما لا يهتدي غيرهم، ويصلون إلى ما لا يصل إليه سواهم، لدقة أفهامهم وجودة تمييزهم، ولطف مكايدهم وطول ألسنتهم، ونفاذ خطابهم في كتبهم. يكتب أحدهم إلى أخيه وصديقه زخرا من القول غرورا، بألفاظ مسجعة وكلام حلو وخطاب فصيح يغريه، وهو من ورائه في قطع دابره، والحيلة في إزالة نعمته، والوصول إلى أسباب نكايته، وتدوين الأعمال في مصادراته وتأويلات الأخذ لماله.
Page inconnue