Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
وأما العبادة الفلسفية الإلهية فإن أول درجة منها، وهي التي كانت الفلاسفة القدماء والأجلة العلماء يأخذون بها أولادهم وتلامذتهم بعد تعليمهم أحكام السياسات الجسمانية والنفسانية والعبادات الناموسية الشرعية، أن يكون لهم في كل شهر من شهور السنة اليونانية ثلاثة أيام في كل شهر: يوم في أوله، ويوم في وسطه، ويوم في آخره.
فأما اليوم الأول من الشهر، فيجب له أن يتطهر أنظف طهور، ويتبخر بأطيب ما يقدر عليه من البخور، ولا يفرط في طهارته وصلواته المفروضة عليه في شريعة الناموس. فإذا انقلب من محراب صلاة العشاء الآخرة، جلس يسبح الله ويقدسه ويهلله ويكبره إلى أن يمضي من الليل الثلث الأول. ثم يقوم ويجدد الوضوء ويسبغ الطهارة ليكون طهور على طهور ونور على نور، ويبرز من بيته إلى أن يحصل تحت السماء بحذاء الجدي، وهو النجم الذي يهتدى به ... فيتأمل الكتاب المبين ويتدبر آياته ويرى الملكوت دائما، وهو يسبح الله ويقدسه ولا يدع التكبير والتهليل ... ولا يزال كذلك حتى يذهب من الليل الثلثان، فيكون الثلث الأول قياما بعبادة الناموس، والثلث الثاني قياما في التفكير في الملكوت.
فإذا زال أوان الثلث الأوسط هبط إلى الأرض ساجدا بتذلل وخضوع لباريه، فلا يزال كذلك ما قدر عليه، ثم يرفع رأسه ببكاء واستغفار وتوبة واستعبار، فيعدد ذنوبه على نفسه، وينوي التوجه بحسناته وصالح أعماله، ويدعو بالدعاء الأفلاطوني والتوسل الإدريسي [= الهرمسي]، والمناجاة الأرسططالية المذكورة في كتبهم. فلا يزال كذلك حتى يبدو الفجر، فيقوم فيسبغ الوضوء ويتطهر، فيرجع إلى محرابه فيصلي صلاة الفجر، ويجلس في مكانه إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس وأقبل أول النهار، ذبح بيده إذا كان ممن قد اعتاد ذلك ما قدر عليه من محلل الحيوان، ويأمر بإصلاح ما كان من الطعام، ويأذن لأهله وإخوانه بالدخول عليه والوصول إليه، ويحضر ذلك بين أيديهم. فإذا فرغوا من طعامهم حمدوا الله، جل وعز اسمه، وشكروه وخروا له سجدا شكرا له بما من عليهم. ثم يخرج إليهم من الحكمة بحسب ما يوجبه الزمان ويسعه المكان. ولا يزالون كذلك بقية يومهم إلى الوقت من [صلاة] العشاء الآخرة. فيرجعون إلى منازلهم ... إلى اليوم الثاني [في وسط الشهر] وهو يوم ليلة البدر ... فيفعل في تلك الليلة وصبيحة ذلك اليوم كما فعل في اليوم الأول وأزيد قليلا ... ثم في آخر الشهر وهو اليوم الخامس والعشرون ...
ويكون لمن اقتدى بهذه السنة ثلاثة أعياد: العيد الأول يوم نزول الشمس برج الحمل، وذلك أنه في هذا اليوم يستوي الليل والنهار في الأقاليم، ويعتدل الزمان، ويطيب الهواء ... ويذوب الثلج، وتسيل الأودية ... وينبت العشب، ويطول الزرع ... وكان الحكماء في هذا اليوم يجتمعون ويجمعون أولادهم وشبان تلامذتهم بأحسن زينة وأنظف طهور إلى الهياكل التي كانت لهم، ويذبحون الذبائح الطاهرة ... فإذا أكلوا وفرحوا أخذوا في استعمال الموسيقى بالنقرات المحركة للأنفس إلى معالي الأمور، والنغمات اللذيذة بتلاوة الحكمة ونشر العلم، فيكون بذلك راحة النفس وكمال الأنس، فلا يزالون كذلك بقية يومهم ثم ينصرفون إلى أشغالهم. ولهذا اليوم اسم باليونانية [وهو] نوء الربيع.
فإذا نزلت الشمس أول السرطان، فإن ذلك اليوم [هو] العيد الثاني: نوء الصيف. وفيه يتناهي طول النهار وقصر الليل، وانصراف الربيع، ومجيء الصيف، واشتداد الحر وهبوب السمائم، ونقصان المياه، ويبس العشب، واستحكام الحب، وإدراك الحصاد والثمار. فيكون ذلك اليوم عيدا لاستقبال زمان جديد تابع للزمان الأول ...
فإذا نزلت [الشمس] أول دقيقة من برج الميزان، استوى الليل والنهار مرة أخرى، ودخل الخريف، وطاب الهواء، وهبت رياح الشمال ... فيكون ذلك اليوم أيضا يوم عيد، فيدخلون إلى الهيكل المبني لذلك اليوم، ويكون استعمالهم من الأكل ما يوافق طبيعة ذلك اليوم والزمان، ومن نشر العلم ما لاق به، ولا عيد لهم بعده إلى أن تبلغ الشمس آخر القوس أول الجدي.
العيد الرابع يتناهى طول الليل وقصر النهار، ويأخذ الليل في النقصان والنهار في الزيادة، وينصرف الخريف، ويدخل الشتاء ويشتد البرد ... ويتساقط ورق الشجر ويموت أكثر النبات ... وكانت الحكماء تتخذ هذا اليوم يوم حزن وكآبة وندم واستغفار، وكانوا يصومونه ولا يفطرون فيه» (50: 4، 261-268).
والإخوان إذ يتبنون هذه الأعياد الفلسفية القديمة، فلأنها تتطابق مع مناسبات معينة في تاريخ التنظيم غامضة علينا، ويصعب إلقاء الأضواء عليها في ظل الوضع الحالي لمعلوماتنا عنهم. وهم في الإشارة إليها لا يزيدوننا إلا غموضا: «فأعيادنا أيها الأخ هي أشخاص ناطقة وأنفس فعالة تفعل بإذن ربها ما يوحيه إليها ويلهمها من الأفعال والأعمال. فاليوم الأول من أيامنا والعيد الفاضل من أعيادنا هو يوم خروج أول القائمين
18
منا، ويكون اليوم الموافق له لنزول الشمس برج الحمل، لمجيء الربيع والخصب والنعمة ... وهو يوم فرح وسرور لنا ولجميع إخواننا. واليوم الثاني هو يوم قيام الثاني، الموافق يوم قيامه يوم نزول الشمس أول السرطان في تناهي طول الليل وقصر النهار؛ إذ كان فيه تصرم دولة أهل الجور وانقضاؤها، وهو فرح وسرور واستبشار. واليوم الثالث هو يوم قيامة ثالثنا الموافق لنزول الشمس أول الميزان واستواء الليل والنهار، ودخول الخريف، وهي مقاومة الباطل الحق، وكون الأمر على خلاف ما كان عليه. ثم اليوم الرابع يوم الحزن والكآبة، يوم رجوعنا إلى كهفنا وكهف التقية والاستتار، وكون الأمر على ما قال صاحب الشريعة: إن الإسلام ظهر غريبا وسيعود غريبا، فيا طوبى للغرباء»
Page inconnue