Le Chemin des Frères de la Pureté : Introduction à la Gnose Islamique
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Genres
وأيضا: «ثم اعلم أن العلوم الحكمية والشريعة النبوية كلاهما أمران إلهيان يتفقان في الغرض المقصود الذي هو الأصل، ويختلفان في الفروع. وذلك أن الغرض الأقصى من الفلسفة هو ما قيل: إنها التشبه بالإله بحسب طاقة البشر، كما بينا في رسائلنا أجمع. وعمدتها أربع خصال: أولاها معرفة حقائق الموجودات، والثانية اعتقاد الآراء الصحيحة، والثالثة التخلق بالأخلاق الجميلة والسجايا الحميدة، والرابعة الأعمال الزكية والأفعال الحسنة. والغرض من هذه الخصال هو تهذيب النفس والترقي من حال النقص إلى التمام، والخروج من حد القوة إلى الفعل بالظهور؛ لتنال بذلك البقاء والدوام والخلود في النعم مع أبناء جنسها من الملائكة.
وهكذا الغرض من النبوة والناموس، هو تهذيب النفس الإنسانية وإصلاحها وتخليصها من جهنم عالم الكون والفساد، وإيصالها إلى الجنة ونعيم أهلها في فسحة عالم الأفلاك وسعة السماوات، والتنسم من ذلك الروح والريحان المذكور في القرآن. فهذا هو المقصود من العلوم الحكمية والشريعة النبوية جميعا. وأما اختلافهما في الطرق المؤدية إليها، فمن أجل الطبائع المختلفة والأعراض المتغايرة التي عرضت للنفوس. وبذلك اختلفت موضوعات النواميس وسنن الديانات ومفروضات الشرائع، كما اختلفت عقاقير الأطباء وعلاجاتها بحسب اختلاف الأمراض» (28: 3، 30).
وليس ما يبدو من تناقض بين الفلسفة والدين إلا من قبيل قصور فهم بعض أهل العلوم الحكمية والعلوم الشرعية: «ثم اعلم أن الحكماء الأولين قد تكلمت في فنون من العلوم وضروب من الآداب وغرائب من الحكم كثيرة لا يحصي عددها إلا الله ... وقوم من العلماء الشرعيين ينكرون أكثره، إما لقصور فهمهم عما وصف القوم، أو لتركهم النظر فيها واشتغال بعلم الشرع وأحكامه، أو لعناد بينهما. وكذلك أيضا إن أكثر من ينظر في العلوم الحكمية، من المبتدئين فيها والمتوسطين من بينهم، يتهاونون بأمر الناموس وأحكام الشريعة ويزرون بأهله، ويأنفون من الدخول تحت أحكامه إلا خوفا وكرها من قوة الملك الذي هو أخو النبوة. كل ذلك لقصور فهم الفريقين جميعا عن معرفة حقائق هذه الأشياء المذكورة، ولقلة علمهم بماهيات الكائنات. ولما كان مذهب إخواننا الفضلاء الكرام النظر فيها جميعا والكشف عن حقائق أشيائها، أعني العلوم الحكمية والنبوية جميعا، وكان هذا العلم بحرا واسعا وميدانا طويلا، احتجنا أن نتكلم فيما دعت الضرورة إلى عمل هذه الرسائل التي هي إحدى وخمسون رسالة، والكلام فيها بأوجز ما يمكن» (28: 3، 29).
ونفوس الفلاسفة والحكماء من طينة نفوس الأنبياء، وهي أكثر قبولا لفيض النفس الكلية من بقية النفوس: «واعلم أن من الأنفس الجزئية ما يتصور بصورة النفس الكلية، ومنها ما يقاربها، وذلك بحسب قبولها ما يفيض عليها من العلوم والمعارف والأخلاق الجميلة. وكلما كانت أكثر قبولا كانت أفضل وأشرف من سائر أبناء جنسها، مثل نفوس الأنبياء عليهم السلام، فإنها لما قبلت بصفاء جوهرها الفيض من النفس الكلية أتت بالكتب الإلهية ... وما وضعت من الشرائع العلمية النافعة للكل، والسنن العادلة الزكية، فاستنقذوا بها نفوسا كثيرة غريقة في بحر الهيولى وأسر الطبيعة. ومثل نفوس المحققين من الحكماء، التي استنبطت علوما كثيرة حقيقية، واستخرجت صنائع بديعة، وبنت هياكل حكيمة ... وإلى مثل هذه النفوس أشاروا بقولهم: ... من خاصية العقل المنفعل أن يقبل الجزء منه صورة الكل» (15: 2، 10).
من هنا فإن الفلسفة لا تتفق مع الدين فقط، بل إنها تساعد على فهم النص المقدس نفسه، وتفسير آياته، والكشف عن أسراره: «إن نعمة الله تعالى على عباده جمة لا تفنى، ومواهبه كثيرة لا تحصى، ولكن يتفاضل بعضها بعضا بحسب جزالتها وغزارتها. فمن مواهب الله الجزيلة وعطاياه الجميلة لبعض عباده، التي خص بها قوما دون قوم، هي الحكمة البالغة كما ذكر بقوله: ... ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ...
3
يعني به علم القرآن خاصة، وتفسير آياته ومعاني أسراره وإشاراته اللطيفة ... حيث يفسر قوم آيات الله على خلاف ما هو معناه، كما فسروا الاستواء بالجلوس والتمكن على العرش، و[فسروا] الرؤية بالنظر إلى الجسم المشار إليه، وبالسمع والبصر فسروا الأعضاء الإلهية، وفسروا الكلام بالنطق والحروف، وبالنزول الانتقال من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، وغير ذلك من الآيات التي لا يعرف تأويلها إلا الله والراسخون في العلم، وهؤلاء هم الذين يعلمون ويعرفون تأويل آياته وأسراره. ويقولون: ... آمنا به كل من عند ربنا ...
4
فهذا قول الحكماء الربانيين والعلماء المتفلسفين.
ثم اعلم أن لفظ الفيلسوف عند اليونانيين معناه الحكيم، والفلسفة تسمى الحكمة. والحكيم هو الذي أفعاله تكون محكمة وصناعته متقنة، وأقاويله صادقة، وأخلاقه جميلة، وآراؤه صحيحة، وأعماله زكية، وعلومه حقيقية ...» (40: 3، 344-345). «ثم اعلم أن الحكماء والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء هم سفراء الله بينه وبين خلقه ... فإذا مضت الأنبياء لسبلها خلفهم العلماء والحكماء، وقاموا مقامهم ونابوا منابهم فيما كانوا يقولون ويفعلون، ويعلمون الناس من معالم الدين وطريق الآخرة ومصالح الدنيا. فمن قبل منهم ما قالوه وعمل بما أمروه، فهو على طريق النجاة والفوز، ومن أبى وكفر به فهو على خطر عظيم وخوف من الهلاك. فاحذر يا أخي مخالفة الحكماء ومعاندة العلماء، بل كن منهم إذا استوى لك. وينبغي أن لا ترضى لنفسك إلا بأعلى مرتبة في العلم والحكمة، فإن بذلك يكون القربة إلى الله كما ذكر بقوله: ... قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب .
Page inconnue