فصل [مقتضيات الدرجة الثانية من الفقر]
وإذا كان التلوث بالأعراض (^١) قيدًا يقيد القلوبَ عن سفرها إلى بلد حياتها ونعيمها الذي لا سكن لها غيره، ولا راحة لها إلا فيه، ولا سرور لها إلا في منازله، ولا أمن لها إلا بين أهله؛ فكذلك الذي قد باشر (^٢) قلبُه روحَ التأله، وذاق طعمَ المحبة، وآنسَ نارَ المعرفة، له أعراضٌ دقيقة حاليّة تقيد قلبَه عن مكافحة صريح الحق، وصحة الاضطرار إليه، والفناء التام به، والبقاء الدائم بنوره الذي هو المطلوب من السير والسلوك، وهو الغاية التي شمَّر إليها السالكون، والعلَم الذي أمّه العابدون، ودندن حوله العارفون. فجميع ما يحجب عنه أو يقيد القلبَ نظرُه وهمُّه يكون حجابًا يحجب الواصلَ، ويوقف السالك، وينكس الطالب. فالزهد فيه على أصحاب الهمم العلية متعيِّن تعيُّنَ الواجب المعيّن (^٣) الذي لا بد منه، وهو كزهد السالك إلى الحج في الظلال والمياه التي يمر بها في المنازل.
فالأوَّل مقيد عن الحقائق برؤية الأعراض، والثاني مقيد عن النهايات برؤية الأحوال، فتقيّد كل منهما عن الغاية المطلوبة، وترتب على هذا