Histoire de William le Conquérant
تاريخ وليم الظافر
Genres
فرجع الرسول بهذه الأجوبة إلى نورماندي، وشرع وليم يتأهب للحرب، وأول خطوة قدرها لأجله في هذا السبيل كانت دعوته لأخلص أصدقائه واستشارتهم في هذا الأمر، وبعد المداولة والمباحثة أخلصوه الرأي في الحمل على إنكلترا واعدين بعضده وشد أزره، وبذل غاية جهدهم في تحقيق فوزه ونصره.
وفي الخطوة الثانية عقد مجلس شورى من جميع كبراء الدول وأشرافها ومشاهيرها ونواب المقاطعات ومشايخ المدن؛ للبحث فيما إذا كانت البلاد تقوى على تحمل زيادة الضرائب تحصيلا للأموال المحتاج إليها في هذه الحملة، فإن وليم وإن كان كحاكم مطلق له حق التعويل على مهاجمة إنكلترا، وله استطاعة على حشد الرجال بداعي ارتباط كل أمير مقاطعة تحت يده بوجوب تلبيته بالمال والرجال، ففي حملة عظيمة كهذه كانت الاحتياجات أكثر جدا من المعتاد في تلك الأيام، ولم تكن القوانين الدولية في الأجيال المتوسطة لتساعد على سد نفقات كهذه بوجه مقبول متساو، فلم يكن للحكومات حينئذ قوة على ضرب المكوس كما في هذه الأيام، حتى إنه إلى الآن تجمع الضرائب في فرنسا وإنكلترا على سبيل إحسان من الشعب إلى الحكومة، ولم يكن في أيام وليم وزير المالية لينشئ قرضا ويرتب له ضمانات، فغاية ما كان في ذلك العهد من هذا القبيل استناد الحاكم في نفقاته على مداخيل بلاده ووارداتها الطفيفة.
أما وليم فرأى أنه في هذه الحملة يعوزه بناء السفن وتجهيز الأسلحة والذخائر والمؤن، وكل ذلك يتطلب أموالا جزيلة، فمن أين يحصل على تلك الأموال؟ فأشكل على أولئك المندوبين البحث في هذا الأمر ومتعلقاته، وانتهوا إلى الاختلاف والشقاق في الآراء، فأهل الراحة والسكينة والصناع والتجار الذين كانوا لا يهتمون بسوى الاستمرار على مباشرة أعمالهم بالأمن والسلام رفضوا هذا المشروع رفضا مطلقا، وحسبوا ضربا من الخرق والحماقة أن يكونوا مطالبين بالإسعاف مما تكسبه أيديهم أخذا بناصر حاكمهم، وتقويته على الخروج بحملة محفوفة بالمخاطر مجهولة العواقب لا تجديهم على فرض تحقق نجاحها أدنى نفع، وقد وافقهم على هذا الرفض كثيرون من الأمراء الذين رجحوا نهايتها بالفشل والخيبة، وأنكروا كون ارتباطهم بتلبية حاكمهم بالرجال يفرض عليهم إطاعته إلى حد مظافرته خارج البلاد، وعبر البحر ذهابا وراء مطالبته في عرش مملكة أخرى.
أما الباقون فكانوا بالعكس مستحسنين هذا المشروع كل الاستحسان، ومصوبين الخروج على إنكلترا، فكانوا أثبت قلوبا وأوفر حمية وإقداما، أو لربما كانت مراكزهم وأحوالهم الراهنة تخولهم الانتفاع من نجاح هذه الحملة أكثر من أولئك، وتصغر في عيونهم الخوف من خطر سقوطها، وهكذا انقسمت الآراء وتضاربت الأفكار، وإذ إن القوانين الموضوعة في هذه الأيام لرفع التشويش وحفظ النظام حين مجاذبة أطراف الجدال في مجلس الأمة لم تكن بعد قد وضعت في ذلك العهد، كنت ترى مجلس أولئك النورمانديين غاصا بالجلبة واللغاط، وحافلا بالضوضاء والعياط، والأعضاء يروحون في عرضه ويجيئون، ويقومون في طوله ويقعدون وهم جماهير متفرقة، وأحزاب مختلفة لكل حزب منهم زعيم قائم فيهم على اجتهاد في حشد السامعين حوله؛ ليخطب عليهم.
وأهدأ قوم في ذلك المحفل كانوا أطفر من الجنادب جائلين من عند خطيب إلى آخر، منساقين بقوة حدة الخطباء وفصاحتهم، ومجذوبين بمغناطيس استحسانهم للآراء التي يسمعون أولئك الخطباء يجاهرن فيها، وبالجملة كان منظر ذلك المجلس أشبه شيء بالمجالس التي كانت تعقد في أميركا أيام الثورات، وقبل تقييدها بنظامات ورؤساء.
أما فتزسبورن صديق وليم الأمين ومستشاره الخاص الذي مر الكلام على أنه كان الرجل الوحيد الذي أقدم على مكاشفة وليم خبر موت إدوارد وتملك هارلود، فإذ رأى أن استصواب هذه الحملة وتخطئتها ليسا من متعلقات ذلك الاجتماع؛ أسرع إلى وليم وأشار عليه بفض المجلس وترتيب ما يراه بعد ذلك موافقا على انفراد، وتعهد له بتجهيز أربعين سفينة برجالها وأسلحتها وذخائرها، وعرض عليه أن يدعو كلا من أولئك الأعضاء والنواب ويسأله على انفراد: ماذا يروم هو أن يفعل؟
فاستصوب وليم رأيه هذا وعمل بموجبه، وصادف نجاحا غريبا، فإن الذين دعوا أولا وعدوا بمساعدات وتقادم عظيمة، وفي الحال صار تسجيل وعودهم والإشهاد عليها، وكل من جاء بعدهم كان يغار ممن سبقه وتهزه الأريحية لإظهار كثير من الغيرة والكرم، وفي كل ذلك كان وليم يقتبل هذه التبرعات بمزيد الممنونية وجزيل الشكر، مبالغا في معاملة أولئك المتبرعين بما لا يوصف من المؤانسة والملاطفة، وله في هذه المجاملات ضروب تحيل، وأساليب دهاء تحداها تذرعا لموالاة كبراء بلاده، واستمالة عظمائها تذليلا لرقاب المصاعب في طريق فوزه ونجاحه.
وبكلمة نقول: إن جزر تلك المصاعب التي تهددت الحمل على إنكلترا أعقبه مد تسهيلات فاض بالإسعافات، وتدفق بالمساعدات؛ فإن الأمراء والأشراف تبرعوا بالوعد بالرجال والمال والمراكب والأسلحة والذخائر، وبالاختصار بكل شيء احتيج إليه، وعند الفراغ من تقييد ما تبرع به أمير كل مقاطعة، وجد وليم بمزيد الاندهاش أن كل لوازمه صارت مقضية، فبقي عليه خطوة ثالثة مهمة في هذا المشروع، ألا وهي استحصال رخصة البابا؛ لأنه توقع من استمالة حبر رومية الأعظم إليه في هذا الأمر نفعا عظيما لا يقدر، وبناء عليه سير من قبله إلى رومية لنفرنك - ذات الرسول الذي نجح منذ سنتين في تثبيت شرعية زواج وليم ومتيلدا لدى البابا - وأمره أن يطرح المسألة أمام كرسي قداسته، ويتوسل إليه أن يصرح بعدالة تسمية وليم ملك إنكلترا، ويعلن له إجازة الاستيلاء على عرشها بقوة السلاح.
وقد نجح لنفرنك هذه المرة أيضا، فإن البابا بعدما فحص دعوى وليم حكم بحقانيتها، وصرح بتسمية وليم ملك إنكلترا، وأمر بإصدار إجازة «منشور» له في ذلك، وعليه صدرت الإجازة غاية في الإتقان معلمة بالصليب على جاري العادة البابوية، ومختومة بختم مستدير من رصاص .
ولم يكن بالأمر الغريب أن البابا نظر بعين الاستحسان إلى دعوى وليم، وأظهر أشد الارتياح إلى نجاحها؛ إذ لم يكن ريب في أن تربع وليم على سرير الملك الإنكليزي كان أفيد للكنيسة من تربع هارلود، من وجه أن وليم باستيلائه على إنكلترا يمكن فيها سلطة كنيسة رومية، ويجعل قدم نفوذها راسخة في سائر أطرافها؛ لأنه كان في غاية الخضوع للسدة البابوية كما وضح من تصرفه في مشكل زيجته، وكان هو وامرأته متيلدا يميلان كل الميل إلى نجاح وتقدم الأديرة والكنائس والصوامع وسائر الأمور الدينية، ناهيك عن أن تصرفه هذه المرة في إرساله لنفرنك لكي يبسط دعواه لدى كرسيها، بينما هارلود لم يفعل أقل شيء من مثل ذلك كان يدل دلالة بينة على شدة احترامه لسيادة الكنيسة، ويرجح لمتوليها (البابا) أنه (أي وليم) سيكون في مدة جلوسه على العرش - إذا توفق إليه - ابنا صادقا لها، ويبرهن طاعته وخضوعه لأوامرها المقدسة بالسعي في رفع شأنها، وتعزيز كلمتها، بخلاف مناظره هارلود.
Page inconnue