L'âge des Califes bien guidés : histoire de la nation arabe (troisième partie)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Genres
فلما سمع قوله أقطعهم ما كان لأهل كسرى، ثم قال: إن هذا سيد قومه، وكتب إلى عتيبة أمير البصرة أن يسمع منه، وأرجعهم إلى بلدهم، ولم يكادوا يصلون حتى ثار الهرمزان ونقض عهد الصلح واستعان بالأكراد، فكتب عتيبة بذلك إلى عمر، فأجابه بأن يقصده، وأمد المسلمين بحرقوص بن زهير السعدي، فأتى البصرة وقصد الهرمزان فقاتله وهزمه وفتح «سوق الأهواز»، وكتب بذلك إلى عمر، وبعث إليه بالأخماس، وأحس الهرمزان بضعفه، فصالح حرقوصا، وفي هذه الأثناء مات عتيبة بن غزوان أمير البصرة، فولاها عمر المغيرة بن شعبة، ثم أبا موسى الأشعري، وأعانه على إدارتها ببضعة وعشرين من أصحاب رسول الله، فيهم أنس بن مالك، وعمران بن حصين، وهشام بن عامر، فلما قدموا عليه جهز حملة كبيرة بقيادة أبي سبرة بن أبي رهم، وسار نحوه، فتحصن الهرمزان فحاصروها، ولما اشتد الحصار على الفرس صالحوا المسلمين، ووقع الهرمزان أسيرا، فطلب النزول على حكم عمر.
ثم سار الجيش الإسلامي ففتح «السوس»، و«جنديسابور»، وغنم المسلمون مغانم كبيرة، وبعث أبو سبرة وفدا مبشرا إلى عمر بعث معه بالغنائم والأخماس، وأرسل الهرمزان معهم إلى المدينة، وكان في الوفد الأحنف بن قيس، وأنس بن مالك، فلما قدم الوفد المدينة ألبس الهرمزان تاجه المرصع ليراه الخليفة والمسلمون على تلك الحال، وساروا نحو المسجد، فإذا عمر نائم والدرة في يده، فقال الهرمزان: أين عمر؟ فقالوا: هذا هو، فقال: أين حرسه وحجابه؟ فقالوا: ليس له حاجب ولا حارس، قال: فينبغي أن يكون نبيا! قالوا: بل يعمل بعمل الأنبياء، ثم استيقظ عمر فأخبر بأمر الهرمزان، فقال: الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وأشباهه، ثم أمر أن ينزع ما عليه وأن يلبس ثوبا صفيقا، وقال له: كيف رأيت عاقبة الغدر وعاقبة أمر الله؟ فقال: يا عمر، إنا وإياكم في الجاهلية؛ لأن الله قد خلى بيننا وبينكم، فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم، فلما كان معكم غلبتمونا، فقال عمر: إنما غلبتمونا بالجاهلية باجتماعكم وتفرقنا، ثم قال عمر: ما عذرك في انتقاضك مرة بعد مرة؟ فقال: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك، فقال عمر: لا تخف ذلك، واستسقى ماء فأتي به، فقال: إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب الماء، فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه، فأكفأ الهرمزان الماء، فقال عمر: أعيدوا عليه الماء، ولا تجمعوا عليه القتل والعطش، فقال الهرمزان: لا حاجة لي في الماء، وإنما أردت أن أستأمن به، فقال له عمر: إني قاتلك، فقال: أمنتني، فقال: كذبت، فقال أنس بن مالك: صدق، ثم أسلم الهرمزان وسكن المدينة، وفرض له عمر ألفين، وقال للوفد: لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى، فقالوا: ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة، قال: فكيف هذا؟ فقال الأحنف: إنك نهيتنا عن الانسياح في البلاد، وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا، وإن ملك فارس حي بين أظهرهم، وإنهم لا يزالون يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم، ولم يجتمع ملكان فاتفقا حتى يخرج أحدهما صاحبه، ولا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا فلنسح في أرضهم، فقال عمر: صدقني، وأذن في الانسياح ببلاد فارس وفتحها. (4) في وقعة نهاوند
رأى الفرس بعد أسر الهرمزان وانسياح المسلمين في بلادهم أن يقفوا صفا واحدا بزعامة «يزدجرد» أمام الخطر الداهم، فتجمعوا عند «نهاوند»، وتكاتب حكام المقاطعات وملوكها على لقاء المسلمين بجيش موحد، فتجمعوا من «مرو» و«الباب» و«السند» و«خراسان»، وعلم سعد بخبرهم فكتب إلى عمر بذلك، وحدث في ذلك الحين أن اشتكى جماعة من أهل الكوفة على سعد واتهموه بالظلم، فقال عمر: والله لا يمنعني ما نزل بأمر المسلمين عن النظر بشكواهم، واستقدم إليه سعدا فخلف على عمله عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وتوجه إلى المدينة، فلما دخل على عمر حقق معه في التهم المنسوبة إليه، فوجد أن القوم متحاملون عليه، ولكنه رأى أن يعزله، وولى الكوفة النعمان بن مقرن، وكان قد اقتحم «جنديسابور» و«السوس» في جمع أهل الكوفة، فأرسل إليه عمر كتاب العهد وكتاب الحض على الجهاد، وهذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى النعمان بن مقرن، سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنه بلغني أن جموعا من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لكم «بمدينة نهاوند»، فإذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله، وبعون الله، وبنصر الله بمن معك من المسلمين، ولا توطئهم وعرا فتؤذيهم، ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم، ولا تدخلهم غيضة، فإن رجلا من المسلمين أحب إلي من مائة ألف دينار، والسلام عليك.»
ثم أمره أن يسير حتى يبلغ «ماه» وينتظر هناك حتى تجتمع لديه الجيوش، ثم يسير بها إلى «نهاوند»، وكتب إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان خليفة سعد على الكوفة يأمره باستنفار الناس للتوجه إلى النعمان، وأرسل إلى جند الأهواز يأمرهم بالمقام ليكونوا حائلا بين أهل إقليم فارس وبين المجتمعين بنهاوند، فلما اجتمعت الجيوش عند النعمان سار بهم، وعلى مقدمته أخوه نعيم بن مقرن، وعلى مجنبتيه أخوه سويد بن مقرن، وحذيفة بن اليمان، وعلى المجردة القعقاع، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود، وجاءهم من دق المدينة عليهم المغيرة بن شعبة.
فلما وصلوا «نهاوند» نشب القتال بينهم وبين الفرس، فتقاتلوا ثلاثة أيام، ثم انحجز الفرس في خنادقهم، فخاف المسلمون أن يطول ذلك الانحجاز، وأن يكون وراءه خطة مدبرة ضد المسلمين، فتشاور المسلمون في الأمر، ثم اتفقوا على أن يقاتلهم القعقاع ويظهر الهزيمة، فإذا تبعه الفرس وصاروا بين المسلمين وبين القعقاع أعمل فيهم القتال، ويقضي الله بعده ما يشاء، فقاتلهم القعقاع، وخرج إليه الفرس من خنادقهم، فأظهر القعقاع الهزيمة أمامهم، فتتبعوه فرحين؛ لأنهم لم يروا مثل ذلك من المسلمين قبل الآن، ولم يزالوا كذلك حتى قاربوا جيش المسلمين، فزحف عليهم، وقتل النعمان فسجاه أخوه نعيم، وكتم موته عن الجند ليلا، وأخذ الراية حذيفة، واستمر القتال إلى آخر النهار، فلما أظلم الليل انهزم الفرس، ونجا الفيرزان بنفسه نحو «همذان»، فلحق به بعض الجند وقتلوه هناك، وفتحوا همذان صلحا، ولما علم أهل «ماه» بذلك طلبوا الصلح من حذيفة، فكتب له كتابا هذا نصه: «هذا ما عاهد حذيفة بن اليمان أهل «ماه بهراذان» أعطاهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وأرضهم، لا يغيرون عن ملة، ولا يحال بينهم وبين شرائعهم، ولهم المنعة ما أدوا الجزية في كل سنة إلى من وليهم، على كل حالم في ماله ونفسه على قدر طاقته، وما أرشدوا ابن السبيل، وأصلحوا الطرق، وقروا جنود المسلمين ممن مر بهم فأوى إليهم يوما وليلة، ووفوا ونصحوا، فإن غشوا وبدلوا فذمتنا منهم بريئة، وشهد القعقاع بن عمرو ونعيم بن مقرن وسويد بن مقرن، وكتب في المحرم سنة 19ه.»
وكانت مغانم المسلمين يوم «نهاوند» لا تحصى من الرياش والجواهر والذهب، ومن بين ذلك ذخيرة كسرى من الجوهر الذي كان أعده لذلك الزمان، فأجمع رأي المسلمين على إرسال ذلك إلى عمر، وقسم حذيفة غنائم كل فرد من الناس فبلغت مبلغا جسيما، قيل: إنه ستة آلاف درهم. وسمي فتح نهاوند: فتح الفتوح، وبعث حذيفة بالبشرى إلى عمر، فلما قارب البشير المدينة وجد عمر خارجا يتنسم الأخبار؛ لأنه قدر الواقعة، فبات يتململ حتى وصل البشير، فقال له عمر: ما وراءك؟ فقال: خيرا يا أمير المؤمنين، فتح الله عليك وأعظم الفتح، واستشهد النعمان بن مقرن، فقال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم بكى فنشج، وتسلم الغنائم والخمس ووضعها في بيت المال، وشكر الله على هذا الفتح المبين.
أما حذيفة فإنه بعد فتح نهاوند علم أن أهل همذان قد نقضوا عهد الصلح، فكتب بذلك إلى عمر، فأمره أن يبعث إليها نعيم بن مقرن، فرجع إليها من الطريق، واستولى عليها وعلى ما حولها، ثم جاء أمر عمر لحذيفة بالتوجه إلى «الري» و«أصفهان»، فسار إليهما وصالحه أهلهما، وبعث سويد بن مقرن إلى «قومس» فذهب إليها، وصالحه أهلها وكتب لهم كتابا جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى سويد بن مقرن أهل قومس من الأمان على أنفسهم ومللهم وأموالهم، أن يؤدوا الجزية عن كل فرد بقدر طاقته، وعلى أن ينصحوا ولا يغشوا، وعلى أن يدلوا، وعليهم أن يقروا من نزل بهم من المسلمين يوما وليلة من أوسط طعامهم، وإن نكثوا واستخفوا بعهدهم فالذمة منهم بريئة.»
ثم سار سويد إلى «جرجان» و«خراسان» و«طبرستان» و«جيلان» ففتحها صلحا، وكتب لأهلها كتابا جاء فيه: «هذا كتاب من سويد بن مقرن للفرخان صاحب خراسان على طبرستان وجيل وجيلان من أهل العدو، إنك آمن بأمان الله عز وجل، على أن تكف لصوتك وأهل حواشي أرضك، ولا تؤدي لنا بغية، وتتقي من ولي فرج أرضك بخمسمائة ألف درهم من دراهم أرضك، فإذا فعلت ذلك فليس لأحد منا أن يغير عليك ...»
ولما رأى عمر تخاذل الفرس رأى أن يوجه الجيوش إلى سائر الأنحاء الباقية من بلاد فارس، فكتب إلى أبي موسى الأشعري أمير البصرة أن يوجه الأمراء الآتية أسماؤهم لفتح ما بقي من البلاد، وهم: الأحنف بن قيس ووجهته «بلاد خراسان»، والمجاشع بن مسعود السلمي ووجهته «أردشير خره» و«سابور»، وعثمان بن أبي العاص ووجهته «اصطخر»، وسارية بن زنيم الكناني ووجهته «فسا»، وسهيل بن عدي ووجهته «كرمان»، وعاصم بن عمرو ووجهته «سجستان»، والحكم بن عمير التغلبي ووجهته «مكران»، فسار الأمراء في أول سنة 18ه إلى وجهاتهم، وأتم الله على المؤمنين هذه الفتوح العظمى، وغنم المسلمون أعظم المغانم، وامتد سلطان الإسلام في بلاد فارس جميعها حتى بلغ نهر السند.
19 (5) في فتوح مصر
Page inconnue