L'âge des Califes bien guidés : histoire de la nation arabe (troisième partie)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Genres
وقلتهم وكثرة عدوهم، وأن هؤلاء جل العرب والمسلمين على ما ترى، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين! فقال لهم: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذنه.
وكان الرسول قد أعد هذا البعث إلى أبنى لفتح أطراف الشام، وجعل فيه بعض كبار الصحابة وأمر عليهم أسامة بن زيد، ولم يكن تجاوز آخرهم الخندق حتى بلغهم نبأ وفاة الرسول، فوقف أسامة، ثم بعث إلى خليفة رسول الله يستأذنه في أن يرجع بالناس، فقال له أبو بكر: لا بد والله من تسيير البعث، ثم إنه أخذ يعد العدة لتسيير البعث، فأعدها وخرج بنفسه يودع أسامة ويشيعه، ولما قدم على أسامة وهو بالجرف خطب الناس فقال: «أيها الناس، قفوا أوصكم: أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان من الطعام، فإذا أكلتم منها شيئا بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رءوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيوف خفقا، اندفعوا باسم الله، أقناكم الله بالطعن والطاعون.»
1
ثم أمره أن ينفذ كل ما أمره رسول الله به من أن يبدأ بقضاعة، ثم يأتي آبل، وألا يقصر في شيء من أمر الرسول ؛ فمضى أسامة مغذا على ذي المروة والوادي، وانتهى إلى ما أمره رسول الله
صلى الله عليه وسلم
من بث الخيول في قبائل قضاعة والغارة على آبل، فسلم وغنم، وكان فراغه في أربعين يوما سوى مقامه ومنقلبه راجعا، وقد كان تسيير هذا البعث سياسة حكيمة وطدت أمر الإسلام وأرهبت أهل الردة والمشركين الذين قالوا: لو لم يكن أبو بكر على بصيرة من أمره وقوة من نفسه وكثرة من جنده لما بعث هذا البعث في مثل هذا الظرف. وقد صرف الله لسبب هذا البعث عن أبي بكر والمسلمين كثيرا من الفتن التي كان المشركون وأهل الردة يعدونها للفتك بالإسلام وأهله. (2) فتنة الردة وحروبها
مني الإسلام بفتنة عظمى بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يكن زعيم المسلمين أبو بكر هو المتولي لإخماد تلك الفتنة لعمت مصيبتها وفتكت بالإسلام، ولكن حكمة الصديق وعقله هما اللذان حالا دون تشتت كلمة الإسلام وتفرق أمر المسلمين؛ وذلك أنه لما بلغ الأعراب نبأ وفاة الرسول وانتشر المنافقون ومن في قلوبهم مرض يحرضون على الردة وترك الإسلام. كثر المرتدون عن الإسلام، وانقسموا قسمين: قسما خرج عن الإسلام بالمرة، وهم: بنو طي، وغطفان، وأسد؛ جماعة المتنبي طلحة بن خويلد الأسدي، وحنيفة؛ جماعة مسيلمة الكذاب، وأهل اليمن الذين تزعمهم الأسود العنسي؛ وقسما ظلوا على إسلامهم، ولكنهم عطلوا شعيرة الزكاة، وهم: بعض بني تميم وغيرهم بزعامة مالك بن نويرة، وقد اختلف بعض الصحابة مع أبي بكر في وجوب قتال القسم الثاني كالقسم الأول، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن هؤلاء كما أقاتل أولئك؛ لأن تعطيل الزكاة كتعطيل الصلاة وسائر شعائر الإسلام، وقال عمر: وكيف نقاتلهم وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني مالهم وأنفسهم»؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقا أو عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها، وقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدري لما قال أبو بكر، فعلمت أنه الحق، ثم إن أبا بكر شمر لقتال هؤلاء المرتدين والقضاء على هذه الفتنة.
Page inconnue