L'âge des Califes bien guidés : histoire de la nation arabe (troisième partie)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Genres
وهكذا قضى الشهيد أبو الشهداء، وخلف للأمة بعده ويلات جساما ما تزال تقاسي نتائجها إلى أيامنا هذه. (1-2) عزل معاوية
يقول نقدة التاريخ إن عزل معاوية وسائر عمال عثمان كان خطأ، وإن الواجب على الإمام أن يبقيهم حتى تستقيم له الأمور ثم يعزلهم، ويقولون أيضا إن المغيرة بن شعبة وهو من دهاة العرب والحازمين قال للإمام بعد استخلافه: «إن لك حق الطاعة والنصيحة، وإن الرأي اليوم تحرز به ما في غد، وإن الضياع اليوم تضيع به ما في غد، أقرر معاوية على عمله، وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو تركت .» وإن الإمام لما سمع قوله هذا رد عليه بقوله: «لا أداهن في ديني، ولا أعطي الدنية في أمري.» فقال له المغيرة: «فإن كنت أبيت علي فانزع من شئت واترك معاوية، فإن فيه جرأة، وهو في أهل الشام يستمع له، ولك حجة في إثباته إذ كان عمر قد ولاه.» فقال الإمام: «لا والله لا أستعمل معاوية يومين.»
ويقولون أيضا: إن عبد الله بن عباس لما سمع قول المغيرة هذا قال للإمام: «إنه قد نصحك؛ لأن معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتى شئت تثبتهم لا يبالوا من ولي هذا الأمر، ومتى تعزلهم يقولوا أخذ هذا الأمر بغير شورى ، وهو قتل صاحبنا، ويؤلبون عليك أهل الشام وأهل العراق.» ولكن الإمام عليه السلام لم يأبه لقولة ابن عباس، وقال له: لا والله لا أبقيه أميرا على الشام يومين وإنه لظالم.
والحق أن تصرف الإمام هو التصرف السليم، وأنه كان لا يستطيع أن يبقي معاوية أميرا على الشام، وأن السياسة - سياسة الحق لا الباطل - كانت تقضي بعزل معاوية، فإن عليا كان يصرح في خلافة عثمان بوجوب عزل معاوية وسائر العمال الأمويين، وإن إقرار هؤلاء العمال في الأقطار الإسلامية على ما يبلغه عنهم من سوء السيرة، والبعد عن الحكومة الدينية والطريقة الإسلامية هو إقرار الباطل، وإن الخليفة ليس تاجرا يعمل للربح المادي، بل هو صاحب السلطة العليا التي لا ترهب إلا الحق ولا تعمل إلا بالصدق، وإن العمال هم مظهر هذه السلطة، فإذا صابروا على الناس وظلموهم فسدت الأمور، وإن الحجة التي كان يتذرع بها بعضهم، وهي أن معاوية كان أميرا على الشام في عهد عمر؛ ولذلك يجب أن يبقى في عمله، أما الإمام عليه السلام فيرد على حجة هؤلاء بقوله: إن عمر كان رجلا مرهوبا، وإن معاوية كان - على شدته - يتقصف خوفا من درة عمر، وإنه كان أخوف لعمر من غلامه يرفأ، ولكنه بعد أن مات عمر لم يعد يخاف أحدا، فلذلك يجب أن يعزل فورا.
ثم إنه لو سلمنا جدلا أن إبقاء معاوية فترة من الزمن إلى أن يستقيم أمر الإمام عليه السلام هو من السياسة الضرورية كان ذلك غير ممكن أيضا؛ لأن أعمال معاوية منذ يوم مقتل عثمان هي أعمال استفزازية، ظالمة، جائرة، بعيدة كل البعد عن روح العامل الذي يبغي الخير لشعبه، والإخلاص لإمامه، بل هو يزعم أن هذا الإمام الجديد ظالم، وأنه مشارك في قتل الإمام السابق، فكيف يقره على عمله؟
الحق أن تفكير الإمام في أمر معاوية كان تفكيرا صحيحا، وأنه سلك الطريق السليمة، ولكن الأمور سارت على غير ما ينبغي. (1-3) معاملته لطلحة والزبير
لم يسئ الإمام معاملة طلحة والزبير، بل عرف لهما مكانتهما وسابقتهما، فقربهما يوم استخلافه، وبايعاه كما بايعه كبار الصحابة من مهاجرين وأنصار، ولو لم يثورا عليه وينكثا عهده لاتخذهما وزيرين له يستشيرهما بأمور المسلمين، ولكنهما آثرا أن ينخرطا في الفتنة؛ فقد بعثا إلى الإمام عقب استخلافه عبد الله بن عباس، فاقترحا على الإمام أن يوليهما بعض الأقطار الإسلامية كالعراقين مثلا، فلم يقبل الإمام ذلك، وقال لابن عباس: «إن العراقين بهما الأموال والرجال، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلان السفيه بالطمع، ويضربان الضعيف بالبلاء، ويقويان على القوي بالسلطان.» ولما أعلمهما ابن عباس مقالة الإمام خرجا عليه مع عائشة على الشكل الذي سبق تفصيله.
والإمام لم يسئ معاملة طلحة والزبير، بل أراد لهما أن يسيرا سيرة صالحة، ويرضيا بما قسمه الله لهما من المال الوفير والجاه الخطير، ولكنهما آثرا أن يدخلا في الفتنة فكذبا عليه عليه السلام وغشاه، وزعما له بعد أن بايعاه أنهما يرغبان في ترك المدينة والسفر إلى مكة لغرض ديني نبيل، وهو العمرة، وقد علم الإمام بسوء نيتهما، وكان باستطاعته أن يعتقلهما أسيرين، ولكنه لم يسلك معهما هذا السبيل، بل تركهما يذهبان إلى حيث يريدان، فذهبا إلى مكة ونكثا عهده وانضما إلى خصومه.
ولعل ثقة الإمام بنفسه، وإيمانه بأن العدل والحق يجب أن يكونا العنصر الأساسي في سياسة الدولة، هما اللذان أوحيا إليه بأن يتركهما يذهبان إلى حيث يريدان، ويعملان ما يوحيه إليه ضميرهما ووجدانهما، وخير للإمام العادل أن يترك خصومه يسرحون ويمرحون ويفسدون فيقبض عليهم وهم في الجرم المشهود - على حد تعبير الناس اليوم - من أن يأخذهم على الشبهة والنية حتى إذا أخذهما بعد الجريمة كان عقابهما شديدا، وكان عطف الناس عليه، وكانت حملة الناس عليهم. (1-4) مسألة التحكيم
الحق أن مسألة التحكيم كانت سيفا ذا حدين، وأن أي الجانبين استعمله كان قاطعا، فلو لم يقبل الإمام به قال الناس: إنه يحب إراقة الدماء ولا يعمل على إزالة الخلاف الناشب بين صفوف المسلمين، وحين قبله وأقره قال الناس: إنه قد حكم أهواء الناس في شرع الله، والإمام لم يقبل بالتحكيم إلا بعد أن رأى أن جمهرة جنده قد عزفت عن الحرب، وأن الناس قد أحاطوا به وهددوه بالقتل إن لم يقبل به.
Page inconnue