L'âge de Prospérité : Histoire de la Nation Arabe (Partie 5)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Genres
أنهم لما رفعوا من شأن الأعاجم والموالي غير العرب كان منطقيا أن يتطاول هؤلاء الأعاجم والموالي على العرب، تنفيسا للكرب الذي قاسوه أيام بني أمية، وقد نتج من ذلك معارك وفتن سيفية وقلمية ظهر أثرها في كل شيء حتى في التأليف والتدريس والقضاء والشعر والأدب بصورة عامة، استطاع الموالي بما أوتوه من سلطان وملكات أن يطمسوا كثيرا من معالم الفضل العربي ونتائج القرائح العربية، أو يشوهوا مباهجها الرائعة. (8)
أنهم اتخذوا المشرق، وبخاصة العراق كانت مركزا لحركتهم، وفي هذين الإقليمين مراكز ذات ثقافات قديمة، ولها أفكار خاصة ذات طابع معروف، ففي العراق والكوفة - التي كانت مقر الدعوة العباسية - اجتمع كثير من الثقافات القديمة والديانات العريقة، وكان من جراء هذا كله أن نبغت جماعات ذوو آراء وأفكار غريبة عن النفس العربية؛ كفكرة التناسخ، وفكرة الحلول، وفكرة الحق الإلهي، وغير ذلك من الأفكار الغريبة عن العقلية العربية. وفي المشرق، وخراسان بالخاصة، كانت مجتمعات لشتى الثقافات والأفكار والديانات والآراء، وكان فيها كثير ممن أسلم رغبة في منفعة أو رهبة من بطش وقلبه مملوء كرها للعرب والإسلام، فاضطر أن يسلم ونفسه مشبعة بديانته القديمة والفلسفات العتيقة التي توارثها واعتنقها، فما كان من السهل أن يتخلى عنها للدين الجديد الذي جاء العرب به. (9)
أنهم باعتمادهم على الموالي قووا النزعات القومية، فأخذ العرب مع ما هم عليه من حزازات قديمة يتحزبون على الأعاجم، ويرجعون إلى عنعناتهم الجاهلية التي حاربها الإسلام وكاد أن يقضي عليها، وأخذ الفرس والموالي على العموم يتكتلون ضد العرب، وأخذت بوادر النزعات القومية والإقليمية والبلدية تبرز في الأقاليم المفتوحة، وبخاصة في مقاطعات خراسان والخزر وبلاد المشرق، وأخذ الطامحون من أبناء فارس والديلم والأتراك يفكرون في الانسلاخ عن جسم الدولة العربية والعمل على استقلالهم الذاتي، ويجهرون بذلك ، وهذا أمر لم يكونوا يجرءون على تنفيذه في العصر الأموي، أما الآن فالقادة منهم، والوزراء منهم، وأصحاب الدواوين والدولة منهم، فما عليهم إلا أن يرسموا الخطط ويهيئوا البرامج للعمل في المستقبل القريب ضد الدولة العربية، وهكذا كان. (10)
كان من جراء نقل العاصمة من الشام إلى العراق أن انتقل النشاط الفكري والسياسي للإمبراطورية العربية إلى المشرق، فسادت الثقافات المشرقية بين الفارسية والسريانية والنبطية والهندية والرومية في الدولة الجديدة، كما ضعف نفوذ الدولة المركزية في الولايات الغربية كشمال إفريقية ومصر وجنوب الجزيرة العربية، وانقطعت الصلة بالمرة بينها وبين الأندلس الذي استقل تماما بتأسيس الدولة الأموية فيه كما بيناه في آخر عصر الاتساق. (11)
كان من جراء نقل العاصمة أيضا، ولأسباب أخرى، أن بعض الممالك الإسلامية في شمال إفريقية وعمان والأندلس لم يتابع الخلافة الجديدة لبعده عنها، أما مصر فكان اعترافها اعترافا شكليا كما سنفصله فيما بعد.
الفصل الثاني
الدعوة العباسية
اجتمعت عوامل عديدة على وضع نهاية للدولة الأموية، وأول هذه العوامل أن الموالي والفرس كانوا قد ضاقوا ذرعا بحكم الدولة العربية، فتآمروا على الإجهاز عليها، وكانوا في آخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني للهجرة قد استعادوا بعض قوتهم، وتجمعت لديهم الأسباب التي تمكنهم من الانقضاض على أعدائهم والفتك بخصومهم الذين أذلوهم وأفقدوهم مجدهم وطوحوا باستقلال بلادهم، وقد تعاون هؤلاء الموالي والأعاجم مع نفر من العرب الذين كرهوا حكم بني أمية، فعملوا على التخلص منهم، ومن أبرز هذا النفر بنو هاشم من بني علي وبني العباس.
وهناك عوامل عديدة أخرى عملت في القضاء على العهد الأموي، بالإضافة إلى الفساد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي منيت به الدولة في آخر عهدها، ويمكننا إجمال تلك العوامل فيما يلي: (1)
الانقسامات القبلية العديدة التي قسمت الأمة وفرقتها إلى شيع وأحزاب من يمانية وقيسية وعدنانية وقحطانية، وقد تطور هذا الانقسام القبلي إلى انقسام حزبي عنيف نتج عنه تفسخ البيئة العربية تفسخا قذرا، فاتسعت شقة الخلاف بين السكان اتساعا عمل على تهديم أركان الدولة الأموية. (2)
Page inconnue