L'âge de Prospérité : Histoire de la Nation Arabe (Partie 5)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Genres
هو أبو محمد موسى الهادي بن محمد المهدي.
وأمه هي أم ولد واسمها الخيزران، كانت ملكا للمهدي وأعتقها في سنة 159ه ثم تزوجها بعد أن ولدت له ابنيه الهادي والرشيد، ولد الهادي سنة 144ه، وولاه أبوه العهد في سنة 160ه وله ست عشرة سنة بعد أن نزع ولاية عهده من عيسى بن موسى بن علي وجعلها فيه، ثم في أخيه هارون «الرشيد».
وقد عني أبوه كثير العناية به منذ فجر شبابه، فدربه على القيادات العسكرية والرياسات المدنية، وبعثه مرات لقتال الخارجين والمخالفين في أطراف جرجان وبلاد المشرق.
وكان الهادي فتى طويلا جسيما أبيض الشعر أفوه، بشفته العليا بياض، كما كان متيقظا غيورا كريما شهما أيدا شديد البطش جريء القلب مجتمع الحس، ذا إقدام وعزم وحزم، وكان محبا للأدب والشعر والثقافة الواسعة، يحب العلم والفن وأهلهما ويكثر عطاءهم، كما يكره الزنادقة والملاحدة والفساق، مثل أبيه.
وصفوة القول أنه كان مثال الفتى العربي المتزن النبيل الشجاع الكامل المؤمن، ولو طال عهده في خلافته لأفادت الأمة منه كثيرا، ولكنه لم يبق في الخلافة إلا قريبا من سنة.
رأينا أن المهدي قد مات وهو في طريقه إلى بلاد جرجان لقمع ثورات المخالفين، وكان معه ابنه هارون، فأخذ البيعة لأخيه الهادي، وأرسل إليه بخاتم الخلافة وبالقضيب النبوي والبردة النبوية الطاهرة، ورسالة ضمنها التعزية والتهنئة.
ولما تولى الهادي الخلافة كان عمره خمسا وعشرين سنة، وهي كما ترى سن مائعة، فظل كما كان قبلا يلهو، ولكنه لم يكن في ذلك يخرج عن طور المعقول والدين، فلم تؤثر عنه شائنة ولا وصم شائبة إلى أن مات، ثم حين أراد الإقلاع عن ذلك أدركته منيته فمات في فجر عمره. (1) الأحوال العامة في عهده
لم يطل عهد الهادي كما رأيت، ولذلك لا نجد في سيرته ما يسترعي الانتباه سوى أمرين: «أولهما» خروج العلوي صاحب «فخ» عليه، و«ثانيهما» تضييقه على الزنادقة، وخلاصة قصة خروج صاحب «فخ» أن أمير المدينة في سنة 169ه عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أخذ الحسن بن محمد ذي النفس الزكية وجماعة من أصحابه كانوا على نبيذ لهم، فأمر بضربهم حد السكران، وجعل في أعناقهم الحبال وطيف بهم في المدينة، فذهب إليه الحسين بن علي بن الحسن «المثلث» فكلمه في العفو عنهم، وقال له: ليس لك أن تضربهم؛ لأن فقهاء العراق لا يرون بالنبيذ بأسا، فقبل الأمير أن يطلقهم على أن يعرضوا كل يوم؛ أي يحضرون كل يوم إلى الشرطة للمراقبة، فهرب منهم الحسن بن محمد، وكان الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن كفيليه، فاستدعاهما الأمير عمر وسألهما عن مكانه، فأنكرا معرفتهما بمكانه، فأغلظ لهما وحلف يحيى بن عبد الله ألا ينام تلك الليلة حتى يأتي باب عمر، أو يضرب عليه باب داره حتى يعلم أنه جاء به، فلما خرجا قال له الحسين: سبحان الله ما دعاك إلى هذا! فقال يحيى: والله لا نمت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف، فقال الحسين: تفسد بهذا ما كان بيننا وبين أصحابنا من الاتفاق على الخروج بمكة أيام الموسم، فقال : لا بد من الخروج الليلة، ثم ذهب إلى أصحابه فخرجوا، فلما طلع النهار ذهب الحسن فجلس على المنبر وجعل الناس يأتونه ويبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله للمرتضى من آل محمد.
ثم انتهبت جماعته بيت المال وأعلنوا ثورتهم وتوجه الحسين وجماعته إلى مكة وأعلنت الثورة في الحجاز كله على بني العباس.
فلما بلغت أخبار هذه الفتنة مسامع الهادي ولى محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس قيادة جيش كثيف بعث به لمحاربة الحسين، فتلاقى الجيشان عند «فخ» قرب مكة ، وانتهت المعركة بمقتل الحسين وعدد كبير من العلويين، وأفلت من الموت اثنان كان لهما شأن كبير في التاريخ الإسلامي؛ «أولهما» إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، أخو محمد ذي النفس الزكية، ومؤسس دولة الأدارسة في المغرب الأقصى، و«الثاني» أخوه يحيى بن عبد الله الذي ذهب إلى بلاد الديلم وكانت له أحوال وأخبار، وسنأتي عليها حين كلامنا عن أيام الرشيد.
Page inconnue