L'Ère de la Cohérence: Histoire de la Nation Arabe (Partie Quatre)
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Genres
46
ولما مرض مرض موته في سنة 60 أوصى ابنه بقوله: انظر أهل الحجاز، منهم أصلك وعترتك، فمن أتاك منهم فأكرمه، ومن قعد عنك فتعاهده، وانظر أهل العراق فإن سألوك عزل عامل كل يوم فاعزله، ثم انظر أهل الشام، فاجعلهم الشعار دون الدثار، فإن رابك من عدوك ريب فارمه بهم، ثم اردد أهل الشام إلى بلدهم، ولا يقيموا في غيره فيتأدبوا بغير أدبهم، لست أخاف عليك إلا أربعة: الحسين، وابن الزبير، وابن عمر، وابن أبي بكر، فأما الحسين فأرجو أن يكفيكه الله، فإنه قتل أباه وخذل أخاه، وأما ابن الزبير، فإنه خب ضب فإن ظفرت به فقطعه إربا إربا، وأما ابن عمر، فإنه رجل قد قرقره الورع فخل بينه وبين آخرته يخل بينك وبين دنياك.
47
وأما ابن أبي بكر، فإن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثله، ليست له همة إلا في النساء واللهو.
وقد علق ابن طباطبا على هذه الوصية بقوله: وفي هذه الوصية دليل على ما سبق من وفور رغبته في تدبير الملك، وشدة كلفه بالرياسة.
قال ابن خلدون: «والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه، إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الكلمة، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل، والعقد عليه حينئذ من بني أمية، إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواهم، وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع، وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول؛ حرصا على الاتفاق، واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا؛ فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور الأكابر لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه؛ فليسوا ممن تأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق، فإنهم كلهم أجل من ذلك، وعدالتهم مانعة منه، وفرار عبد الله بن عمر من ذلك إنما هو محمول على تورعه من الدخول في شيء من الأمور، مباحا كان أو محظورا كما هو معروف عنه، ولم يبق في المخالفة لهذا العهد الذي اتفق عليه الجمهور إلا ابن الزبير، وندور المخالف معروف، ثم إنه وقع مثل ذلك بعد معاوية من الخلفاء، الذين كانوا يتحرون الحق ويعملون به، مثل عبد الملك وسليمان من بني أمية، والسفاح والمنصور والمهدي والرشيد من بني العباس، وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم وحسن رأيهم للمسلمين والنظر لهم، ولا يعاب عليهم إيثارهم أبناءهم وإخوانهم، وخروجهم عن سنن الخلفاء الأربعة في ذلك، شأنهم غير شأن أولئك الخلفاء، فإنهم كانوا على حين لم تحدث طبيعة الملك، وكان الوازع دينيا، فعند كل أحد وازع، فعهدوا إلى من يرتضيه الدين فقط، وآثروه على غيره، ووكلوا كل من يسمو ذلك إلى وازعه، وأما من بعدهم من لدن معاوية، فكانت العصبية قد أشرفت على غايتها من الملك والوازع الديني قد ضعف، واحتيج إلى الوازع السلطاني والعصباني، فلو عهد إلى غير من ترتضيه العصبية لردت ذلك العهد وانتقض أمره سريعا، وصارت الجماعة إلى الفرقة.»
والحق أن معاوية قد عمل ما فيه المصلحة والخير لبيته، ولكنه سلك بالمسلمين في طريق وعرة، فلو أنه تركها للعقلاء - وهم كثر إذ ذاك - لما أوقع الناس في المشاكل التي وقعت، ولجنب المسلمين تلك الويلات التي كان أولاها قتل الإمام الحسين، وثانيها نهب المدينة واستباحتها، وثالثها غزو الكعبة، ولكنه اجتهاد اجتهده، نراه أخطأ فيه، ويرى ابن خلدون أنه أصاب وسلك المحجة. (6) موت معاوية ومناقبه
مات معاوية في رجب سنة 50ه، وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وأياما، وكان عمره وقتئذ 75 سنة.
48
وله من الأولاد يزيد وعبد الله وعبد الرحمن. قال الطبري: ولما ثقل عليه المرض وحديث الناس أنه الموت قال لأهله: احشوا عيني إثمدا، وأوسعوا رأسي دهنا. ففعلوا، ثم مهد له فجلس وقال: اسندوني. ثم قال: ائذنوا للناس فليسلموا قياما ولا يجلس أحد، فجعل الرجل يدخل فيسلم قائما، فيراه مكتحلا مدهنا، فيقول: يقول الناس هو لمآبه وهو أصح الناس. فلما خرجوا من عنده قال:
Page inconnue