L'Âge de la décadence : Histoire de la nation arabe (sixième partie)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Genres
ومن مظاهر الانحلال الاجتماعي ما يحدثنا به المؤرخون من وقوع بعض الأعمال الوحشية من فظاعات التعذيب والقسوة وامتهان الكرامة على الخوارج وأصحاب العقائد المخالفة لمذهب الحاكم؛ فقد روى صاحب زبدة الفكرة (مخطوط باريز 5: 179) أن الحسين بن حمدان القرمطي وابنه حين قبض عليهما مؤنس وجاء بهما إلى بغداد ألبسا برانس طوالا من اللبود وقمصانا من الشعر الأحمر. وقال المسعودي (في مروج الذهب 8: 169): «لما قبض على القرمطي ببغداد ألبسوه دراعة ديباج وبرنس خز طويل.» ويقول عريب (في ذيله على الطبري، ص57): «إنهم ألبسوه برنسا طويلا بشفاشج وجلاجل.» وقال ابن الأثير (في تاريخه 8: 205): «بل ألبسوه برنسا بأذيال الثعالب.» وقال مسكويه (في تجارب الأمم 6: 501): «بل برنسا طويلا كما يلبس النساء.» ولما هزم ابن أبي الساج وأدخل بغداد ألبس برنسا طويلا بشفاشج وجلاجل وحمل على الفالج، وقد ذكر عريب (في ذيله على تاريخ الطبري) أن الناس لما رأوه كذلك استاءوا، ولما اتهم الحلاج الصوفي بالكفر صلب حيا إلى أن مات، وهي من أفظع العقوبات، وقد ضاعت المثل الأخلاقية، ودرست المبادئ الإسلامية فأهين الخليفة، وسقي السم، وسملت عيونه، وضرب وجر برجله وعذب وشتم وحبس حتى يموت جوعا وعطشا.
7
ولا شك في أن هذا كله آت من الانحلال الخلقي والنفسي. (2) الأسرة
تكلمنا في الكتاب الأول عن شيء من أحوال الأسرة في العصر العباسي الأول، وعن دخول العناصر غير العربية من فارسية ورومية وحبشية وتركية إلى البيت الإسلامي، وعن انحطاط الأسرة واضطراب شأنها بذلك الخليط من الجواري، ونضيف ها هنا أن البيت الإسلامي أضحى يعج بالزوجات المتعددات، عدد غير محدود من السريات، وقد تبع الناس في ذلك خلفاءهم؛ فقد عج قصر الخلافة في هذا العصر، بعدد كبير من الجواري والخصيان حتى صار الخلفاء كلهم إلا قليلا أبناء جوار. قال ابن حزم في نقط العروس: «لم يل الخلافة في الصدر الأول من أمه أمة، حاشا يزيد وإبراهيم ابني الوليد، ولا وليها من بني العباس من أمه حرة حاشا السفاح والمهدي والأمين.»
8
وإذا كان هذا حال الخلفاء، فما قولك بأسر الوجوه والأعيان، أما السوقة والرعاع فقد تاهوا في تلك البيئة المنحلة المضطربة. ومما يجب أن نلاحظه ها هنا أن الجواري في هذا العصر قد كثرن وصارت لهم دور للهو والفسق، ويقول أبو حيان التوحيدي:
9
أحصينا ونحن جماعة في الكرخ أربعمائة وستين جارية في الجانبين، ومائة وعشرين حرة، وخمسة وتسعين من الصبيان من البدور، يجمعون بين الحسن والحذق والظرف والعشرة، هذا سوى من كنا لا نظفر به ولا نصل إليه لعزته وحرسه ورقبائه، وسوى ما كنا نسمعه ممن لا يتظاهر بالغناء والضرب إلا إذا نشط في وقت، أو ثمل في حال، أو خلع العذار في هوى قد حالفه وأضناه.» ونحن نرى هذا سر انحطاط المجتمع وفساد الأسرة، وإلا ما معنى وجود هؤلاء «الصبيان البدور» الخمسة والتسعين الذين ذكرهم أبو حيان التوحيدي، ووصفهم أبو حيان في موضع آخر فقال: «خمسة وتسعون غلاما جميلا يغنون للناس،
10
وإنه كان بها غلام موصلي ممن ملأ الدنيا عيارة وخسارة، وافتضح أصحاب التستر والوقار، وأصناف الناس من الصغار والكبار بوجهه الحسن وثغره المبتسم وحديثه الساحر وطرفه الفاتر وقده المديد، ولفظه الحلو ودله الخلوب ... يسرقك منك ويردك عليك ... فحاله حالات، وهدايته ضلالات، وهو فتنة الحاضر والبادي.» وقد تفنن القوم في أسماء هؤلاء الغلمان فسموهم الأسماء المخنثة، مثل: نسيم ومؤنس ووصيف وفاتن وجميلة (لغلام ذكر)، ولا شك في أن هذا كان انحطاطا وانحلالا لأفراد الأسرة ما بعده انحطاط، وأبو حيان حجة في قوله أمين في نقله. وفي هذا العصر نبغ في بغداد شعراء فسقة مجان غطوا على أبي نواس وفسقه وعهره وبذوه، ولم يتركوا في هذا الحال مزيدا لمستزيد، وعلى رأسهم ابن حجاج وابن سكرة الشاعران الفاسقان العاهران اللذان ملأا شعرهما قحة وسوء خلق عجيبين. (3) المسكن
Page inconnue