L'Âge de la décadence : Histoire de la nation arabe (sixième partie)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Genres
وزر للمنتصر كاتبه قبل الخلافة أحمد بن الخصيب، وكان أحمد هذا سخيفا مطعونا في عقله، طائشا أحمق، إلا أنه كان ذا مروءة ولم يكن بالرجل الصالح لتولي هذا المنصب. (3) عهد المستعين
ظل ابن الخصيب وزيرا له ثم عزله ، وولى أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، وكان أديبا عاقلا فاضلا، وكانت أجوبته وتوقيعاته من أحسن التوقيعات، فانضبطت الأمور بعض الشيء بعد فسادها، وحسنت أحوال البلاد، ولكن القادة الأتراك ضاقوا به ذرعا، فتهددوه بالقتل فهرب. ثم اضطربت الأحوال وخلا منصب الوزارة فترة لا يجرؤ واحد على توليه، كان المستعين يستكتب خلالها تارة محمد بن الفضل الجرجرائي، وتارة شجاع بن القاسم، ولكن أحدا لم يتسم باسم الوزارة. (4) عهد المعتز
كان عهده عهد فوضى وفتن، استولى الجنود الأتراك فيه على كل شيء، وخلا منصب الوزارة، ممن يحتله أول الأمر، ثم عهد إلى أبي الفضل جعفر بن محمود الإسكافي بالوزارة، وكان هذا عاميا جاهلا ولكنه كان يستميل الناس والأجناد بالعطايا والأموال، ثم إن المعتز عزله وولى عيسى بن فرخان شاه، ولم تكن له ميزة سوى الكرم، وظل في الوزارة حتى غضب عليه الأتراك، فعزله الخليفة، وولى أبا جعفر أحمد بن إسرائيل الأنباري، وكان ذكيا فاضلا حاذقا مدبرا، أحسن تصريف الأمور، فلم يعجب الأتراك، فأخذوه واستصفوا أمواله، فشفع فيه المعتز وأمه إلى متقدم الأتراك صالح بن وصيف، فلم يلتفت إليهما وحبسه وضربه، وظل مسجونا أيام المهتدي. ولما فعل بأحمد بن إسرائيل ما فعل عاد المعتز فولى الإسكافي من جديد. (5) عهد المهتدي
أبقى المهتدي أبا الفضل الإسكافي في وزارته ثم استبدله بسليمان بن وهب وهو من أسرة نصرانية نبيلة، حذقت في الدواوين، وكان أديبا نابغا في الكتابة والأدب وحسن الحظ، قال ابن طباطبا (في الفخري، ص218): «كان أبو أيوب سليمان بن وهب، أحد كتاب الدنيا ورؤسائها فضلا وأدبا وكتابة في الدرج والدستور، وأحد عقلاء العلم وذوي الرأي، وكان بنو وهب من رؤساء الناس وحذاقهم وفضلائهم وكرمائهم، وكانت دولتهم ناضرة، والأدب في زمانهم قائم المواسم واضح المعالم.» وخلع المهتدي وهو وزيره. (6) عهد المعتمد على الله
كان أخو الخليفة أبو أحمد الموفق هو على المتولي الخلافة والوزارة، فكان يعزل من يريد من الوزراء، ويولي من يريد، ولما تولى المعتمد اتفقت الآراء على استيزار عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فضبط الأحوال وأحسن الإدارة إلى أن مات، فاستوزر المعتمد الحسن بن مخلد كاتب الموفق، فاجتمعت له وزارة المعتمد وكتابة الموفق، وكان الحسن أحد الكتاب الكبار قالوا: كان له دفتر صغير يحمله بيده فيه أصول الممالك ومحمولاتها بتواريخها، فلا ينام كل ليلة حتى يقرأه، ويتحقق ما فيه بحيث لو سئل في الغد عن أي شيء كان فيه، أجاب من خاطره بغير توقف، ولا مراجعة دستور، ثم إن المعتمد عزله وولى سليمان بن وهب، وكان عالما فاضلا، وفي عهده ذاع صيت آل وهب وسمت مكانتهم، ولكن لم يلبث أن عزل وولي أبو الصقر إسماعيل بن بلبل مكانه، وكان فاضلا جمع بين السيف والقلم، وحمد عهده حتى سمي الوزير المشكور، مدحه البحتري وابن الرومي، وسمت مكانته وذاع فضله، إلا أن المعتمد عزله واستصفى أمواله، ثم قتله، بإشارة أخيه الموفق، ثم طلب إليه تولية أحمد بن صالح بن شيرازد القطري بلي، مولاه، وكان أحمد أديبا فاضلا عارفا بصناعته، ولم يلبث في وزارته أكثر من شهر ثم مات سنة 266، فولي عبيد الله بن سليمان بن وهب، وكان فاضلا بارعا حاذقا استمر في وزارته إلى عهد المعتضد إلى أن مات سنة 288. (7) عهد المعتضد
وزر له عبيد الله بن سليمان، ولما مات عزم المعتضد على أن يستصفي أمواله، ويقتل أولاده، فجاء ابنه القاسم واستعان بالقائد بدر المعتضدي، وكتب على نفسه صكا بمليوني دينار، فاستوزره المعتضد، وكان القاسم من الدهاة الأفاضل الأذكياء الفضلاء، ولكنه كان جبارا سفاحا وهو الذي سم ابن الرومي، ومات المعتضد وهو وزيره. (8) عهد المكتفي بالله
لما مات المعتضد كان المكتفي بالرقة، فقام الوزير القاسم بأخذ البيعة للمكتفي بالله وكتب إليه كتابا أرسله مع البردة والقضيب، فحضر المكتفي وأقره على الوزارة ولقبه ألقابا فخمة، وظل في الوزارة على عهد المكتفي إلى أن حضرته الوفاة، فأوصى الخليفة باستيزار العباس بن الحسن، فاستوزره، وكان أديبا داهيا ولكنه كان ضعيفا في الحساب، منصرفا إلى اللهو والملذات، وكان يقول لنوابه في الأعمال: أنا أوقع إليكم ، وأنتم افعلوا ما فيه المصلحة. وقد اضطربت الأمور في عهده، وساءت أحوال البلاد حتى قتل الخليفة. (9) عهد المقتدر
أقر المقتدر بالله العباس بن الحسن على الوزارة، ولكن الأجناد كانوا غير راضين عنه، فقتلوه، وساءت إدارة الدولة في هذا العهد جدا، من جراء السياسة الخرقاء التي اتبعها الخليفة في تعيين وزراء وعزلهم، فقد ولي الوزارة في عهده نحو اثني عشر وزيرا، وعزل بعضهم مرارا وأعيد.
وبعد، فنحن نرى من هذه النظرة الخاطفة إلى الوزارة أن الصفة الغالبة على أكثر هؤلاء الوزراء هي العسف والظلم والجهل وسياسة الدولة بالمكر والحيل، وأن من كان فيهم قويا نبيلا مخلصا في عمله، محبا لخليفته، مدبرا لدولته، حريصا على مصالح الأمة، قتلوه أو عزلوه، ومن كان منهم ضعيفا أو سخيفا أو ظالما متهتكا تركوه وساموا الرعية به.
وهكذا ساءت إدارة الدولة وفشت الرشوة والفوضى فيها، وعمت أسباب الانحلال، ولا أدل على ذلك من كلمة العباس بن الحسن لنوابه ورؤساء أعماله: «أنا أوقع وأنتم اعملوا ما فيه المصلحة.» وليست تلك المصلحة طبعا مصلحة الشعب ولا مصلحة الدولة، ولكنها مصلحة الوزير ومصلحة نوابه ومصلحة جيوبهم.
Page inconnue