L'Âge du déclin : histoire de la nation arabe (septième partie)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Genres
القسم الشرقي، وينتظم بلاد البحرين والأحساء والكويت، وهي بلاد حسنة فيها بعض الأراضي الزراعية، وبخاصة النخيل، وفيها مغاصات للدر ومصايد للأسماك.
أما قلب الجزيرة، فهو قسم من بلاد الحجاز وبلاد نجد، وهو على الأغلب تلال بركانية ومرتفعات رملية وصحاري مقفرة يتخللها بعض الواحات، والجزيرة العربية كثيرة الصحاري المقفرة الموحشة، وأكبر هذه الصحاري الربع الخالي والجوف والدهناء والنفود، وقد أثرت هذه الصحاري المقفرة والأقاليم القاحلة في حالة السكان، سواء من حيث الزراعة وما إليها، أو من حيث الحضارة وأسبابها، كما أثر هذا المناخ على الناس فأصبح أكثرهم بدوا رحلا، وانصرف الحضريون منهم عن العلم والأخذ بأسباب الثقافة لخشونة العيش وصعوبة الحياة، ولولا ما كان يجلبه موسم الحج أو ما تصدره الجزيرة وبخاصة اليمن ونجد وبعض مدن الحجاز من اللؤلؤ والخيول والنخيل والثمرات لعاش أهل هذه البقعة من الأرض في ضنك ما بعده ضنك.
وإذا كانت هذه حالة الطبيعة، وتلك موارد الجزيرة قبل أن يسيل في وديانها الذهب الأسود، فليس من المعقول أن نجد فيها ثقافة رفيعة أو حضارة خطيرة، كالذي نجده في العراق والشام ومصر، وإذا استطاعت هذه البلاد أن تقوى على الوقوف أمام النكبات الكبرى التي حلت بها بعد انكساف شمس الخلافة من بغداد وهجمات المغول والصليبيين، فإن الجزيرة العربية لم تقو على ذلك كله أو بعضه؛ لضعفها، ولبعدها عن المراكز التي انتقلت إليها الحضارة بعد سقوط بغداد، والحق أن الفترة الوحيدة التي ازدهرت فيها الجزيرة العربية في القديم القريب هي فترة ظهور الإسلام أيام النبي الكريم
صلى الله عليه وسلم
وأيام الخلفاء الراشدين حتى كانت قلوب العالم الإسلامي تهفو إليها، تتعلم منها الهدى والعلم والأدب، فلما حل عصر ضحى الإسلام وظهره أهمل الناس أمرها، ما عدا المدينة ومكة؛ لما لهما من القداسة، ولكثرة زيارة المسلمين إياهما، أما سائر مدن الحجاز والجزيرة حتى اليمن السعيد فقد أضحت قرى أو كالقرى يعيش أهلها في حكم إداري ساذج، ونظام اجتماعي فقير، وتراتيب سياسية بسيطة، أكثرهم فقراء، لا مورد لهم إلا ما تجود به الطبيعة الشحيحة أو ما يبتزونه من الناس حياء واقتدارا.
وقد نتج عن هذا التقهقر المعاشي تقهقر فكري فظيع، فانتشر الجهل حتى في الدين، وعمت الضلالات والسخافات، وبخاصة في الأمكنة النائية عن الحرمين الشريفين ومواطن الحجاج والزوار، وأخذت شمس الإسلام تغرب عن البقعة المنيرة التي فيها أشرقت، وانغمس الناس عامتهم وخاصتهم في عقائد وعبادات كلها إلى الخرافة تمت، وعن طريق المنطق والدين تحيد، وعمت الفوضى، وانتشرت الضلالة والخرافة محل الهدى والعلم، وأخذ العوام يتعبدون الله على حرف، ويبتعدون عن روح الإسلام وتعاليمه، وعادت الجزيرة إلى حالة من الجاهلية المقيتة حتى قال المؤرخ الأديب أمين الريحاني: وأهمل الناس الصلاة والزكاة والحج، وكانوا لا يعرفون حتى مركز الكعبة،
11
ولولا الحجاز بطبيعة موقعه وقصد المسلمين ربوعه من كافة أرجاء العالم الإسلامي، لكانت حالته كحالة سائر أقطار الجزيرة العربية، فقد كان له من العلماء المسلمين الذين يقصدونه للحج أو مجاورة الحرمين الشريفين نبراس يضيء أرجاءه، وينشر فيها العلم بعض الشيء، وكان بعض الأشراف من ولاته يهتمون بأمور الدين وتعليمه أمثال الشريف بركات، فقد رووا أن سلطان مصر استدعاه في سنة 851ه إلى الديار المصرية، وخرج السلطان للقائه، وبالغ في إكرامه، وقابله بالإجلال والتعظيم، ودعا علماء مصر ليأخذوا عنه، فازدحم العلماء في حلقته، وأخذوا يقرءون عليه علوم الحديث والرواية؛ لأنه كان عالي الإسناد، وقد أجاز نفرا منهم ثم رجع إلى مكة،
12
ومن أشراف مكة الأفاضل العلماء أيضا: الشريف حسن، وكان صاحب خيرات وعلم، أجازه كثير من شيوخ العلم في عصره من شاميين ومصريين وعراقيين، وخرج له الشيخ تقي الدين بن فهد المكي أربعين حديثا نبويا، ومدحه كثير من الشعراء والعلماء مثل شرف الدين إسماعيل بن المقري صاحب «الروض والإرشاد»، وقد شيد هذا الشريف الفاضل بعض دور العلم والعبادة، ومن أشهرها: رباط في مكة للرجال وآخر للنساء في المدينة.
Page inconnue