L'Âge du déclin : histoire de la nation arabe (septième partie)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Genres
أما مظاهر الترف فقد بلغت حدا يفوق الوصف؛ لأن الأموال التي كانت تجبى لمصالح العامة، أضحت أموالا يتصرف بها الخليفة ومماليكه وأمراؤه، ولا ينفقونها في السبيل التي جمعت من أجلها من كري الأنهار، وفتح الطرق، وعمارة المؤسسات العامة، وخدمة مصالح الشعب، بل أخذوا ينفقونها في شراء الألبسة الثمينة والفراء الغالي والرياش الفاخرة، ويتأنقون في الأطعمة والأشربة وأدواتهما، كما كانوا يغالون في استحضار ما اشتهر بطيبه من ألوان الفاكهة والطيوب والعطور واللحوم والطيور، وكانوا يكنزون الذهب والفضة والحجارة الكريمة، مع أن جماعة الشعب في أشد حالات الضيق والبؤس والعري والمرض والجهل، وقد ذكر المؤرخون أن هولاكو حينما دخل قصر الخلافة وطلب من الخليفة أن يحضر إليه كنوزه ونفائس رياشه وذخائره، كان الخليفة «يرجف من الخوف، ومندهشا لدرجة أنه عاد لا يعلم مفاتيح خزائنه، فأمر أن تكسر الأقفال، فأخرجوا ما يقدر بألفين من الثياب، وعشرة آلاف دينار، ونفائس مرصعات، وجواهر عديدة، فلم يلتفت هولاكو إلى هذه الأشياء، ووزعها على الأمراء الحاضرين، ثم خاطب الخليفة: بأن الأموال الموجودة في سطح الأرض ظاهرة، فنريد أن تبين الدفائن وموضعها وماهيتها، فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء من الذهب في وسط السراي، فأخذوا يحفرون المكان الذي عينه فوجدوه مملوءا من الذهب الإبريز، وكانت كل قطعة منه بزنة مائة مثقال، ثم أمر أن يحصوا حرم الخليفة فوجدوا سبعمائة من النساء والسرايا، وألفا من الخدم.»
2
وقد يكون هذا العدد مبالغا فيه، ولكنه على أي حال عدد مخيف، فإن أمة كتب عليها أن تنحط إلى الحضيض يفعل خلفاؤها مثل هذا الفعل، ويقتنون هذه المئات العديدة من السرايا والخدم والنساء، ويروي المؤرخون أنه كان للخلفاء أسرة مرصعة بالجواهر والآبنوس المنزل بالعاج، وأنهم كانوا ينصبون منائر الذهب وقد أوقدت فيها الشموع، كما أنهم كانوا يزينون غرف قصورهم بالحصر المنسوجة بخيوط الذهب المكللة بالدر والياقوت و...
أما عامة الشعب فكانوا على أسوأ حالة من الفقر والجوع والنقص في الأموال والأنفس والثمرات، يحكم فيهم المماليك والعبيد من شذاذ الآفاق، ويقصى عن الحكم الأشراف وأهل الفضل والعلم، حتى صار من الطبيعي المعتاد أن يصل إلى مناصب الدولة الكبيرة الخطيرة أبناء الأرقاء والسوقة، فقد رووا أن ابن الدرنوس كان حمالا جاهلا توصل إلى أن يكون براجا في بعض أبراج قصر الخليفة المستنصر بالله، وما يزال يرتفع في وظائف الدولة، وما زال يحسن التوصل إلى ولد المستنصر بالله - وهو المستعصم بالله - وكان في زمن أبيه محبوسا، ويتعهده بالخدمة إلى أن جلس على سرير الخلافة، فعرف له حق الخدمة، ورتبه مقدم البراجين، ثم استحجبه، حتى بلغ أن صار إذا دخل الوزير ينهض له ويخلي له المجلس لعله جاء في مشافهة من عند الخليفة،
3
وما زال يعظم نفوذه حتى لقبه الخليفة ب «نجم الدين الخاص»، وأرسله الخليفة رسولا عنه إلى هولاكو قبل دخوله بغداد.
فإذا كانت أمور الدولة بين البراجين والسجانين، ومن يعتمدون عليهم من طبقتهم من الحمالين والسوقة، فترقب الزوال القريب لهذه الدولة العجيبة، وليت الأمور وقفت عند إسناد مناصب الدولة إلى المسلمين والنصارى ممن رأيت؛ بل إنها تعدتها إلى اليهود المجرمين، فقد أسند إليهم في عهد الخليفة المستنصر بالله كثير من مناصب الدولة، كما أسند إليهم في عهد ابنه المستعصم عدد من أمهات الوظائف الجليلة، ومن أشهر هؤلاء اليهود ذلك اليهودي الخبيث المعروف بابن صفي الذي لقبه الخليفة ب «سعد الدولة» وسلمه الأمور المالية في الخلافة، وقد استمر هذا اليهودي الماهر في أعماله حتى بعد الاحتلال المغولي، وتقرب من السلطان أرغون بعد أن طرده والي العراق «قطلغ شاه» من وظيفته، فقد رووا أنه بعد أن طرده والي العراق رحل إلى السلطان أرغون، وما زال يتقرب منه حتى قربه إليه ثم أعاده إلى العراق، ودخل بغداد، وتسلم ديوان الممالك ، وتحكم في أهلها بقسوة وعنف، وسمى أخويه فخر الدولة وأمين الدولة في منصبين من أكبر مناصبها، وقد بلغ من تدجيل سعد الدولة اليهودي مما يرويه عنه بعض المؤرخين المنافقين أنه زار في سنة 688ه مشهد الإمام موسى بن جعفر - رضي الله عنه - وفتح المصحف الموجود في المشهد متفائلا فخرجت له الآية:
يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى
وأنه استبشر كثيرا بهذه الآية، وأطلق للعلويين والقوام على المشهد مائة دينار، وفي سنة 687ه وصل بغداد جماعة من اليهود من أهل تفليس وقد رتبوا ولاة على تركات المسلمين، فأجروا الأمر على أن لا يورثوا ذوي الأرحام، وأنكر ذلك عليهم الأمير أروق والي العراق، وأمر أن يعمل بمذهب الإمام الشافعي كما كان قديما،
4
Page inconnue