L'ère de l'éclosion : Histoire de la nation arabe (Première partie)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
Genres
موجة المسلمين التي انساحت في أواسط الألف الأول بعد الميلاد إلى الشام والعراق.
وقد اختلف العلماء في البقعة الأولى التي خرجت منها هذه الموجات، ولكن الأكثرين قالوا على أنها قلب الجزيرة العربية. يقول الدكتور جواد علي: تصور العلماء الذين قالوا إن الجزيرة العربية هي مهد الجنس السامي، بلاد العرب كخزان هائل يفيض في حقب متعاقبة، تبلغ الواحدة منها زهاء ألف عام، بما يزيد عن طاقته من البشر إلى الخارج، يقذف بهم على صورة موجات قالوا لها: «الموجات السامية»، وقد علل القائلون بهذه النظرية الهجرات السامية من بلاد العرب سبب هذه الهجرات، بعدم استطاعة شبه الجزيرة قبول عدد كبير من السكان يزيد على طاقتها، فلا يبقى غير سلوك طريق الهجرات إلى الأماكن الخصيبة في الشمال، وقد كانت الطرق الساحلية من أهم الطرق التي أوصلت المهاجرين إلى أهدافهم.
رأى المستشرق الإيطالي المشهور كيتاني أن الجفاف الذي حل ببلاد العرب فحول أكثر أراضيها إلى صحاري جرد؛ كان العامل الأول في هذه الهجرات، رأى أن جو بلاد العرب قبل ألفي سنة أو ثلاثة آلاف أو أكثر من ذلك، لم يكن على الشكل الذي نلاحظه الآن، وأن تغيرات وتطورات طبيعية طرأت على الجزيرة كان نتيجتها ظهور هذا الجفاف، وهي تطورات استغرقت أمدا طويلا، وقد أيد هذا الرأي ودافع عنه السير توماس أرنولد، ورأت المس ألينور كردنر التي قامت بأبحاث جيولوجية في حضرموت في عامي 1937، 1938م؛ أنه لم تحدث في الأقسام الجنوبية من شبه الجزيرة العربية تغيرات طبوغرافية وجيولوجية وجوية كبيرة منذ زمن الباليوزوسي، وينتهي حوالي 10000 قبل الميلاد؛ حيث كان الجو مشبعا بالرطوبة.
1
وقد لفت الأستاذ كيتاني أنظار العلماء إلى هذه الظاهرة المهمة؛ ظاهرة التغير الذي طرأ على جو بلاد العرب، والجفاف الذي حل بها في أواخر الدورة الجليدية الأخيرة، ففي الوقت الذي كان فيه معظم النواحي الأوروبية وشمالي آسيا تغطي أرضها الثلوج؛ كانت جزيرة العرب ذات جو معتدل، وأمطار غزيرة، وأشجار وزروع، وكانت هضبة إيران تغطيها الثلوج ... ثم أخذ الجو يتغير في بلاد العرب، ففقد الجو رطوبته، وسار بصورة مستمرة وبطيئة نحو الجفاف منذ أكثر من أربعة عشر ألف سنة، فأثر ذلك بالطبع في حياة سكانها، وفي حياة حيوانها ونباتها؛ فانقرض ما لم يتمكن من تكييف نفسه مع المحيط، وظهرت الحاجة إلى هجرات ...
2
وهذه الموجات أو الهجرات التي اندفعت من قلب دنيا العرب إلى البلاد المحيطة بها، فأقامت حضارات عريقة وأصيلة، قد أثبت البحث العلمي الحديث أنها كلها ترجع إلى أرومة واحدة وعرق واحد؛ هما: الأرومة العربية، والعرق العربي الممتازين بطابع واحد وسمة واحدة، وملامح متشابهة، وأفكار متماثلة، ولغات متقاربة، وأنظمة وقوانين وتشريعات متساوية، وعقليات دينية متناظرة.
وقد اصطلح المستشرقون وعلى رأسهم العلامة الألماني اللغوي شلوتسر
Schloser
في بحث له نشره سنة 1781م، على تسمية الأقوام الذين قاموا بهذه الموجات بالساميين لا العرب، وهي في رأينا تسمية خاطئة؛ فإنهم حين بحثوا في أصول اللغات العربية والعبرانية والآرامية والسريانية والحبشية والفينيقية والآشورية والبابلية و... ووجدوا الصلات القوية بينها، وقد نسبوا إلى «سام بن نوح» لأن التوراة ذكرت في سفر التكوين
Page inconnue