L'ère de l'éclosion : Histoire de la nation arabe (Première partie)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
Genres
وفي سنة 665ق.م. حكمت مصر أسرة قوية عرفت بالأسرة الصاوية، وأولها الملك «بساماتيك الأول»، وقد تولى على الأمر والبلاد تئن من العنف والفوضى؛ لما قاسته من الحروب الطويلة مع الآشوريين والأحباش، فعمل على إحياء معالمها، وجدد معابدها ومعاهدها، وحصن قلاعها، وظفر على أعدائها، وحبب إليه الناس في الداخل والخارج؛ فقصدها العلماء والفنانون من البلدان المجاورة، وبخاصة اليونان الذين أعجبتهم مصر، وطاب لهم المقام فيها، فتعلموا لغتها وعلومها، واعتنقوا ديانتها، واصطنعوا لهم آلهة على نمط الآلهة الفرعونية، ونبغ منهم علماء فلاسفة عظام كان لهم أثر خالد في الحضارة الإنسانية وتاريخ العقل البشري؛ مثل: أفلوطن، وفيثاغورس، وصولون، وغيرهم، وكان بساماتيك يحبهم ويقربهم، وخلفه ابنه «نخاو» فوسع رقعة البلاد، وتعاقب الأملاك من بعده إلى سنة 527ق.م.
ثم استولى على الحكم قمبيز الفارسي، فأسس الأسرة السابعة والعشرين في سنة 527 حين سيطر على مصر، ودام حكم هذه الأسرة إلى سنة 406ق.م. حين استرد المصريون بلادهم وطردوا الفرس، وقامت الأسرة الثانية والعشرون والتاسعة والعشرون والثلاثون من سنة 406ق.م. إلى سنة 340ق.م، حين استولى على مصر «أوخوس» الفارسي فأعاد النفوذ الفارسي على البلاد، إلى أن كانت سنة 332ق.م. فاستولى اليونان على مصر وطردوا الفرس، وكان ذلك على يد الإسكندر المقدوني العظيم.
ولما تغلب الإسكندر الأكبر على الفرس، وأخرجهم من مصر، واستولى عليها؛ شيد مدينة الإسكندرية، وأسس الأسرة الثانية والثلاثين، وقام بأعمال عمرانية وثقافية إصلاحية في البلاد إلى أن هلك سنة 323ق.م.
فلما مات الإسكندر تولى بطليموس الأول على مصر، وأسس أسرة البطالسة، وهي الأسرة الثالثة والثلاثون، وقد دام سلطانها في مصر من سنة 323ق.م. إلى سنة 30ق.م، وقد كان عهد البطالسة عهدا ميمونا مباركا عمرانيا، ازدهرت فيه البلاد، واختلطت الثقافة المصرية بالثقافة اليونانية، فأنتجت أطيب النتائج. ومن مآثر هذه الأسرة: مدرسة الإسكندرية العظيمة، وخزانتها الكتبية الخالدة، وعدد لا يحصى من المعابد والهياكل الرائعة.
وفي سنة 30ق.م. استولى الرومان على مصر، وألحقوها بإمبراطوريتهم في روما، ودام سلطانهم على مصر إلى سنة 380م. وفي عهد الأسرة الرومانية - وهي الأسرة الرابعة والثلاثون - دخلت المسيحية إلى مصر، وكان ذلك في سنة 381م، وظل ذلك إلى الفتح الإسلامي. (8) الدولة التدمرية
تنسب الدولة التدمرية إلى مدينة تدمر (بالميرا) الواقعة في أطراف البادية التي تفصل الشام عن العراق، على بعد مائة وخمسين ميلا عن دمشق نحو الشمال الشرقي، وهي من المدن القديمة، ذكرتها التوراة باسم «تدمر» أو «تدمورا»،
20
وقد اشتهر أمرها في النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، حين كانت القوافل التجارية تجتاز بها حين تخرج من الحبشة واليمن إلى العراق، فتمر بها، ثم تقصد العراق ففارس، وكانت مدينة الحجر (بطرا) تنافسها، ولم يلمع نجمها إلا بعد أفول نجم الحجر في أوائل القرن الثاني للميلاد، فتحولت التجارة العربية إليها وحدها، وأخذت شهرتها تطبق الآفاق في المشرق كله منذ ذلك الحين، وتسامع الرومان بها، فطمعوا في السيطرة عليها، وإدخالها تحت حوزتهم، وتم ذلك للإمبراطور أدريان من سنة 130 للميلاد، وذهب إليها، وبدل اسمها، فسماها باسمه «أدريا بوليس»، وقد عثر في التنقيبات التي أجريت فيها على نقوش مؤرخة بسنة 137 للميلاد، ذكر فيها تفصيل الضرائب والمكوس التي وضعتها الحكومة الرومانية المحتلة على التجار وأرباب الصنائع فيها.
وكان في تدمر حكومة منظمة لها مجلس شيوخ، ورئيس، و... ولما نشبت الحروب العظمى بين الفرس والرومان عظم أمر تدمر، وأصبحت مدينة كبرى ذات ثروة ضخمة، حتى صارت سيدة مدن المشرق الرومانية، وتولى زعامتها بنو نصر الذين أسسوا فيها أول دولة عربية قوية عرفت بالدولة التدمرية، وكان أول ملوك هذه الدولة الملك أذينة بن حيران بن وهب اللات بن نصر، ولكن هذه الدولة لم تستطع أن تتخلص من النفوذ الروماني، ولما أراد أذينة إقصاء الرومان عن بلاده عملوا على قتله، وتم لهم ذلك في أواسط القرن الثالث للميلاد.
وخلفه من بعده ابناه أذينة الثاني وحيران، وكان أذينة الثاني شديد التحمس لقومه ينتقص الرومان، ويعمل على الانتقام من قتلة أبيه، فجمع نخبة كبيرة من شبان العرب ورجالات القبائل العربية المجاورة لتدمر، وجعل منهم فرقا محاربة قوية، واتخذ فرصة خروج فاليريان الروماني لمحاربة سابور الفارسي، فهيأ نفسه للانقضاض على الرومان، على الرغم من أن فاليريان أنعم عليه بلقب قنصل؛ وهو من أكبر ألقاب الدولة الرومانية، فتغلب عليه، وما زال أمره يعظم حتى صار سيد الشرق، وامتدت سلطته إلى سوريا كلها وجميع مدن آسيا، وفي سنة 264م منحته روما لقب حاكم عام على المشرق، من حدود أرمينية إلى جزيرة العرب، كما منحت امرأته السيدة الجليلة الزباء «زينوبيا» لقب «سبتيما»؛ وهو من أجل ألقاب التشريف والسلطان لدى الرومان.
Page inconnue