L'ère de l'éclosion : Histoire de la nation arabe (Première partie)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
Genres
ومن أشهر ملوك هذه الدولة الملك «حيرام»، الذي كان في حوالي القرن العاشر قبل الميلاد، وكان حليفا للنبي سليمان الحكيم - عليه السلام - وهانيبال بطل قرطاجة، وقد كان لهذه الدولة سلطان عظيم في البحر، واتصلوا عن طريق سفنهم وتجاراتهم بأوروبا وأفريقيا وآسيا.
أما في أوروبا، فقد اتصلوا ببلاد الغال في فرنسة، وحملوا إليها تجاراتهم، كما اتصلوا بإيطالية وإسبانية واليونان، وكثير من جزائر البحر الأبيض المتوسط، كقبرص وأقريطش وصقلية ورودوس، وكان لهم في موانئ هذه البلاد مستعمرات ومتاجر وأسواق وممثليات، وأما في أفريقيا فقد اتصلوا بمصر، ولكن المصريين أقصوهم عنها، فساروا إلى تونس، وأسسوا فيها مدينة عظيمة هي مدينة قرطاجة التي ضارعت مدائن صور وصيدا وجبيل ، ولعبت دورا هاما في تجارة البحر الأبيض المتوسط، وفي السيطرة على أسواق أوروبا وأفريقيا.
وأما في آسيا، فقد استولوا على أكثر موانئ آسيا الصغرى، واتخذوها مراكز لتجاراتهم، ونقلوا إليها منتجات بلاد الشام وشمال أفريقيا، واستبدلوها بمنتجات آسيا الصغرى وموانيها، من المنسوجات والأوائل البيتية، وقد ظلوا كذلك إلى أن تغلب عليهم اليونان، وتفوق أسطولهم التجاري عليهم.
لقد ضرب الفينيقيون بسهم وافر في الرقي والسلطان، وكانت مملكتهم مشتهرة بالملاحة وعلم البحر، ومعرفة السواحل في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، واجتاز ملاحوها جبل طارق، وصعدوا في المحيط الأطلسي حتى وصلوا إلى جزر «القصدير» جنوبي إنكلتره، وكانوا حوالي أفريقيا من البحر الأحمر إلى مضيق جبل طارق، وأسسوا المستعمرات العديدة في المراكز التي وطئوها، وبرعوا في الصناعات، وبخاصة الزجاج الشفاف الملون، والأنسجة الجميلة الملونة المصبوغة بالأرجوان.
وكانت بلادهم ممتدة على الساحل السوري، الممتد من مصب الدجى شمالي مدينة أوغاريت العظيمة إلى جنوبي مدينة عكا. وأصل مدنهم أوغاريت «رأس الشمرة» و«صيدا» و«صور» و«جبيل» و«أرواد» و«طرابلس» و«جبيل» وبيروت و«عكا».
وكانت مملكتهم على جانب عظيم من المعرفة والتفوق في العلوم والآداب والصناعة والتجارة؛ أما العلوم والآداب فقد ضربوا فيها بسهم عظيم، ووضعوا الحروف الهجائية، واختصروها إلى اثنين وعشرين حرفا بعد أن كانت عند البابليين والمصريين تعد بالمئات، ونشروا ذلك في العالم المتمدن القديم، فأخذها عنهم اليونان وسائر دول أوروبا وآسيا؛ وأما الصنائع والفنون فقد أتقنوهما، وبخاصة فنون التجارة البحرية، والحدادة، والنجارة، وبخاصة نجارة السفن والأساطيل، واستطاعوا أن يؤسسوا أسطولا تجاريا ضخما جابوا به البحار، ووصلت سفنهم إلى شمال أوروبا، وأقصى موانئ الهند والصين، والمحيط الأطلسي، وبحر البلطيق، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا يعرفون «البوصلة» ولا «الخرائط الجغرافية»، فإنهم كانوا يهتدون في أسفارهم بالنجوم والكواكب لبراعتهم في علمي الفلك والنجوم.
وقد برع الفينيقيون بالتعدين، ولا زالت الحفائر والتنقيبات الأثرية التي تجري في الجمهوريتين السورية واللبنانية، تثبت أنهم كانوا يقومون بحفريات يستخرجون بها الذهب والفضة والحديد والنحاس في بلادهم وفي جزائر البحر الأبيض المتوسط التي سيطروا عليها، أو أقاموا لهم فيها ممثليات.
وأجل آثار الفينيقيين على الحضارة الإنسانية هي في نقلهم العلم والحضارة والصناعة الراقية من الشرق إلى الغرب؛ فهم الذين نقلوا صناعات النسيج والصباغة والتعدين، وعمل الزجاج، والفخار الملون من ديارهم إلى أوروبا، وكان ذلك بذرة حضارة الدوحة الحضارية الأولى في أوروبا.
وقد كشفت حفريات «أوغاريت» في ديارهم قرب اللاذقية عند رأس الشمرة عن تقدم فائق في الهندسة وفنون البناء، وعن الأبجدية التي يرجع عهدها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وهي أبجدية فينيقية بحروف مسمارية، كما كشفت حفريات جبيل (بيبلوس) شمالي بيروت عن أقدم المدن الفينيقية، عن المقبرة الملكية بسراديبها المحفورة في الصخر حفرا رائعا، وقد عثر فيها على ناووس الملك «حيرام»، نقشت على جوانبه كتابة بحروف فينيقية ترجع إلى عام 1250ق.م، كما عثر في المدينة على مسرح تمثيلي عظيم، كما كشفت حفريات صور (تير) عن أنها كانت مدينة منذ الألف الثالث قبل الميلاد مدينة محصنة، وأنها قسمان؛ أحدهما الجزيرة المحصنة، وثانيهما الساحل التجاري، وأنها كانت ذات صلات تجارية عريقة متينة مع مصر الفرعونية، وأن أزهر عصورها كان حوالي سنة 1100ق.م، وأن منها هاجرت الملكة «إليسا» إلى شمال أفريقيا، وأسست مدينة قرطاجة حوالي سنة 800ق.م، وقد حاول الآشوريون والبابليون القضاء عليهم فردتهم على أعقابهم. وكشفت حفريات على أنها كانت مدينة كبيرة منذ القرن الخامس عشر ق.م، وأن الآشوريين فتحوها ودمروها سنة 840ق.م. كما دمروها في سنة 677ق.م، ثم صارت تحت النفوذ البابلي، ثم الفرس، ثم استعادت مجدها الغابر في استقلال داخلي إداري إلى أن استسلمت للإسكندر المقدوني في سنة 333ق.م. (7) الدولة المصرية
قامت في وادي النيل حضارة راقية حين توحدت إماراتها المتفرقة في الشمال والجنوب تحت تاج واحد في أواسط الألف الخامس قبل الميلاد، على يد الملك «مينا الأول» مؤسس الأسرة المصرية الأولى والأسر التي تعاقبت بعدها وبنت الأهرام، والتي نبغ منها ملوك عظماء أمثال «خوفو» و«خفرع» و«رمسيس» و«إخناتون» وغيرهم من عظماء الملوك الذين تعاقبوا على حكم مصر من سنة 4400ق.م. إلى سنة 2266ق.م.
Page inconnue