فبعد هذه التغيرات الكثيرة لم يجد سسل رودس بابا للصبر، خصوصا وقد رأى مواطنيه في ارتباك عظيم من اهتضام حقوقهم، فأرسل يطلب من حكومته أن تتداخل في هذا الأمر، فلبت طلبه وأرسل المستر شامبرلن تلغرافا في 13 يناير سنة 1899 يعترض على حكومة الجمهورية احتكار صناعة الديناميت، فما أجابته على هذا الاعتراض. وفي أثناء ذلك خابر ناظر خارجية الترنسفال السير ألفريد ملنر حاكم مستعمرة الكاب بشأن تعيين قنصل ترنسفالي في بلاد المستعمرة المذكورة، فأجابه بأن يرفع طلبه هذا إلى حكومة إنكلترا مباشرة، فما ركنت الجمهورية لهذه الإجابة، بل طرحتها ظهريا وأرسلت قنصلا إلى هناك، فعارضتها إنكلترا في 27 فبراير سنة 1899، فاحتجت الجمهورية عليها بأنها سبق لها تعيين قنصل في جوهانسبرج بدون مخابرتها على أنها خابرت حاكم مستعمرة الكاب بهذا الصدد، فأجابها إجابة ليست كافية مع اضطرارها لتعيين قنصل لها في تلك الجهات.
أما الوتلندر فكانوا في قلق شديد خوفا من إهمال إنكلترا أمرهم، وتركهم تحت تصرف الجمهورية، فقدموا في 28 مارس سنة 1899 عريضة ممضاة من واحد وعشرين ألفا منهم إلى السير ألفريد ملنر، تتضمن شكايتهم من اهتضام حقوقهم ، فأرسلها السير ألفريد ملنر إلى جلالة الملكة، وكان الرئيس كروجر في ذاك الوقت يتجول في بلاده ليتفقد راحة أهاليها، فكان يقابل بكل ترحيب وتبجيل، وفي أثناء جولاته قدمت إليه عريضة ممضاة من أربعة عشر ألفا من البوير يطلبون منه أن يمنع تداخل الأجانب في شئونهم؛ لأن عددهم أصبح نحو ثلثي السكان، ويخشى منهم أن يستولوا على إدارة الحكومة؛ فيخرج الحكم من أيدي البوير إلى أيديهم.
وفي 3 مايو سنة 1899 تقدمت عريضة أخرى من الوتلندر إلى البرلمان الإنكليزي يستغيثون فيها من البوير، ويطلبون النظر في أمرهم فورا، ولما قرئت هذه العريضة في الجلسة قال المستر شامبرلن: «لا يجب علينا أن نصم آذاننا عن نداء واحد وعشرين ألف رجل من رعايانا، ولا بد أن يكونوا في موقف حرج حتى جاءوا بلسان واحد يطلبون تداخل حكومتهم، ويستغيثون بها من ظلم البوير ومعاملتهم.» فاتفق أعضاء البرلمان على مطالبة حكومة الترنسفال بمعاملة الوتلندر بالعدل وإعطائهم حقوقهم.
فلما علم المستر ستين
1
رئيس جمهورية أورنج بما تقرر في البرلمان، خاف العاقبة لعلمه بأنه إذا هدم استقلال الترنسفال يجعل استقلال بلاده ضربا من المحال، وأراد أن يرتق الخرق قبل اتساعه، فطلب من إنكلترا أن تعين مندوبا في بلوم فنتين للمفاوضة معه ومع حكومة الترنسفال في الأحوال الحاضرة، وحل المشاكل التي بينهما حلا سلميا، فلبت إنكلترا الطلب، وأرسلت إلى السير ألفريد ملنر تأمره بالذهاب إلى بلوم فنتين، فقام إلى هناك، وتقابل مع الرئيسين ستين وكروجر، واتفقوا على عقد جلستين في 2 يونيو سنة 1899؛ الأولى من الساعة العاشرة صباحا إلى الساعة الثانية عشرة، والثانية من الساعة الثانية بعد الظهر إلى الساعة الرابعة. فلما فتحت الجلسة الأولى طلب السير ألفريد ملنر منح الوتلندر حق الانتخاب في رئاسة الجمهورية، وقيادة الجيش، وعضوية جميع المجالس، بعد مضي خمس سنوات من تاريخ نزولهم في الترنسفال، وأن يسمح لهم بالتكلم باللغة الإنكليزية في المجالس. فأبى الرئيس كروجر قبول هذه الطلبات وقال: «إن عدد البوير المخول لهم الحق في الانتخاب لا يتجاوز ثلاثين ألفا، وإذا منحنا حق الانتخاب للوتلندر على هذه الصورة يبلغ عدد من ينالون الأحقية سبعين ألفا، فتكون الأكثرية لهم، وتخرج أزمة الأحكام من أيدينا.» وبعد المناقشات الطويلة اقترح الرئيس كروجر هذه الطلبات:
أولا:
الأجانب الموجودون الآن في البلاد ينالون حق الانتخاب إذا قضوا فيها تسع سنوات، وسبع سنوات لمن يأتي بعد السنة الحاضرة.
ثانيا:
أن يكون ربع أعضاء المجالس من الوتلندر والباقي من البوير.
Page inconnue