Histoire de la civilisation islamique (Première partie)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Genres
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ، وما منا رجل إلى ويدعو ربه صباحا ومساء أن يرزقه الشهادة وأن لا يرده إلى بلده ولا إلى أرضه ولا إلى أهله وولده، وليس لأحد منا هم فيما خلفه، وقد استودع كل منا ربه أهله وولده، وإنما همنا ما أمامنا، وأما قولك إننا في ضيق وشدة من معاشنا وحالنا! فنحن في أوسع السعة، لو كانت الدنيا كلها لنا ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن عليه ...
حصن بابليون الذي فتحه عمرو بن العاص.
وأمثال ذلك كثير في تاريخ الإسلام حتى لقد كان المسلم يقاتل أباه وأخاه إذا كانا مشركين ولا يبالي ... بل هو يعتقد أنه يفعل خيرا، ويؤيد ذلك ما جاء في تواريخ الأديان الأخرى فإن الإنسان لا يستهلك في أمر ويعرض حياته للخطر من أجله إلا إذا كان من قبيل الدين، وفي أحاديث الشهداء عند النصارى وسائر الأديان الأخرى ما يكفي. (1-3) خصب البلاد المفتوحة
وقد زاد في رغبة العرب في فتح الشام والعراق ومصر ما علموه من خصب تلك الأرضين وكثرة خيراتها، وبلادهم قاحلة لا تفي بمطالبهم بعد تلك النهضة الدينية، وكانت بعض القبائل التي دخلت الإسلام، تحارب لمجرد الكسب من الأسلاب والغنائم، يستدل على ذلك مما أظهروه بعد غزوة حنين والطائف، فقد كانت الأموال كثيرة والغنائم غزيرة - كما تقدم - فلما فرغوا من الحرب ورد السبايا «ركب (النبي) وتبعه الناس يقولون يا رسول الله قسم علينا فيأنا من الإبل والغنم، حتى ألجأوه إلى شجرة فاختطفت عنه رداءه فقال ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالله لو كان بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا». (2) ما الذي ساعدهم على الفتح؟
ذلك ما جرأ العرب على الفتح، أما ما ساعدهم عليه فهاك تفصيله: (2-1) نشاطهم وخفة أحمالهم
لأنهم أهل بادية تعودوا خشونة العيش فأصبحوا لا يبالون بالجوع ولا العطش، إذا سافر أحدهم إلى حرب لا يحمل معه شيئا يثقل كاهله أو يشغل بعيره، وقد لا يحملون طعاما وإنما يقتاتون بما يكسبونه بالغزو في أثناء الطريق.
وللإبل فضل كبير في تغلب العرب، لأنها كانت تقوم عندهم مقام المركبات والخيول والماشية عند الروم، فالعربي يركب ناقته ويحمل عليها أثقاله ويغتذي من لبانها ويستريح في ظلها، وهي تقتات بالعشب في الصحراء ولو كان يابسا، وتصبر على الجوع وتحتمل الظمأ أياما، وأما الرومي أو الفارسي فلا يستطيع الانتقال إلى الحرب إلا بالأحمال والأثقال من المؤونة والذخيرة مما لا يقوى على حمله إلا المركبات، والمركبات تحتاج في جرها إلى دواب، والدواب تحتاج إلى طعام ومياه، ويذكرنا ذلك بما شاهدناه في حرب الإنجليز وعرب السودان في أثناء الحملة النيلية التي أنفذوها سنة 1884 لإنقاذ غردون باشا من الخرطوم، فقد كان الإنجليزي لا يستطيع الانتقال إلا ومعه الأحمال من البقسماط واللحوم المطبوخة والسكر والشاي والبن والشمع وفناطس الماء وأحمال الخيم والأمتعة وأطعمة الخيل، وغير ذلك مما يحتاج إلى الدواب الكثيرة، فكان رجال حملة «المتمة» 1400 وجمالها أربعة آلاف ومعها الجمالة والخدم، وهي عبء ثقيل على كاهل الحملة، وأما السوداني فقد كان في غنى عن كل ذلك بجراب فيه شيء من الذرة الناشفة يتأبطه ويمشي. (2-2) اعتقادهم بالقضاء والقدر
وأن الإنسان لا يموت إلا إذا جاء أجله، فإذا أتت ساعته مات ولو كان على فراشه، وإذا تأخرت فلا يصاب بسوء ولو كان تحت مراهف السيوف، وكان هذا الاعتقاد متمكنا فيهم وهو علة معظم ما كان يبدو من بسالتهم في وقائعهم المشهورة، وفي تاريخ الفتح شواهد كثيرة على ذلك. (2-3) مهارتهم في ركوب الخيل ورمي النبال
فقد كانوا أمهر من الروم والفرس فيهما، وخيل العرب أنجب من خيول أولئك، وكانت أكثر وقائعهم بالمبارزة بين الأفراد على جاري العادة في تلك العصور، فيختارون فارسا من كل جند فيتبارزان، فمن غلب كان أصحاب الغالبين، وكان العرب يغلبون في المبارزة على الأكثر، وكثيرا ما كان نصرهم متوقفا على غلب في مبارزة أو رمي بنبلة صائبة إذا أصابت رئيس الجند أحبطت رجاله، وسيأتي تفصيل ذلك في كلامنا عن السلاح. (2-4) رجال صدر الإسلام
اختص صدر الإسلام برجال توفرت فيهم خصال النصر، وقد امتاز ذلك العصر بنبوغ الرجال العظام كما امتاز عصر نابليون الكبير بقواد لم تلد فرنسا مثلهم، وقد نبغ قواد نابليون على أثر الثورة الفرنسية، كما نبغ قواد الصدر الأول للإسلام على أثر واقعة الفيل التي سطا بها الأحباش على الكعبة، وحركت ساكن العرب فأظهرت قواهم بالضغط والاحتكاك كما تقدم، فكأن الله قدر للعرب النصر فاختصهم بقواد من نخبة رجال العالم في الحرب والسياسة والدهاء والحكمة، كخالد بن الوليد وخالد بن سعيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ويزيد بن أبي سفيان وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، ممن تغلب عليهم البسالة ويحسنون قيادة الجند، ومثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه من أهل الدهاء والسياسة، وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب من أهل الحزم والتقوى وصدق العزيمة.
Page inconnue