Histoire de la civilisation islamique (Première partie)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Genres
ناهيك بما كان يهدد الروم في أوربا من هجمات برابرة القوط، وكان هؤلاء في أوائل الإسلام قد استولوا على غربي هنجاريا «المجر»، وزد على ذلك أن الهون كانوا في أثناء ذلك يهددون مملكة الروم من جهة الشرق. (4) الانقسامات الدينية
ولم يكن الاختلال في دولتي الروم والفرس مقصورا على الوجهة السياسية والإدارية، ولكنه كان يتناول الأحوال الاجتماعية والدينية بما تفاقم فيها من الانقسامات المذهبية مما هو مشهور، فقد كان الروم حوالي القرن السادس للميلاد في منتهى التضعضع، لتعدد الفرق وتشعب المذاهب وخصوصا فيما يتعلق بالطبيعة والطبيعتين والمشيئة والمشيئتين، وأكثر اختلافهم على الألفاظ، والجوهر واحد.
فكان الإمبراطور وأهل دولته يقولون إن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، وأما رعيته في مصر والشام فكان أكثرهم يقولون بطبيعة واحدة ومشيئة واحدة وهم اليعاقبة، وفي زمن هرقل سعى البطريرك إثناسيوس بطريرك اليعاقبة في منبج في التوفيق بين الطائفتين، فخاطب الإمبراطور في ذلك وذهب مذهبا متوسطا بين القولين، وهو أن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة، فوافقه الإمبراطور واستمهله ريثما يخابر بطريق القسطنطينية بيروس وهو سوري الأصل، وكان إثناسيوس قد اتفق معه على ذلك قبل مخاطبة الإمبراطور، فنشر الإمبراطور بهذا المعتقد منشورا قبله أكثر الأساقفة الشرقيين إلا صفرونيوس بطريق بيت المقدس وبعض الأساقفة، وفي مقدمتهم أسقف عمان وسائر أهل الكنيسة الملكية، فشق ذلك على الإمبراطور فعمل على الانتقام من الذين لم يقبلوا منشوره وفيهم جانب عظيم من الروم، فأصبح الانقسام مزدوجا الإمبراطور وبطارقة القسطنطينية والإسكندرية وأنطاكية حزب يقول بطبيعتين ومشيئتين، واليعاقبة ومنهم الأقباط وأهل حوران وسائر أهل داخلية سوريا ومصر حزب آخر، والنساطرة وهم أهل العراق والجزيرة حزب ثالث، فضلا عن طوائف أخرى غير هذه منهم الخياليون الذين يقولون إن المسيح لم يصلب حقيقة، وإنما صلب رجل آخر مكانه، والإكيفاليون القائلون بعدم الخضوع للرؤساء وهم يشبهون الخوارج، ثم إن اليعاقبة أيضا كانوا أقساما مما يطول شرحه.
وكان لهذه الانقسامات تأثير شديد في السياسة لاختلاط السياسة عندهم بالدين، حتى آل ذلك أحيانا إلى خروج أمم بأسرها من حوزة الروم إلى الفرس، كما حصل للأرمن فإنهم لما حرم مجمع القسطنطينية بدعة الطبيعة الواحدة جعل الإمبراطور يشدد النكير على متبعيها، والأرمن منهم، فأفضت بهم الحال إلى تسليم بلادهم إلى الفرس، وكذلك فعل القبط بمصر يوم جاءهم عمرو بن العاص، فقد كانوا عونا له في فتحها للسبب عينه. (5) التناقض بين الروم واليهود
ولا بد من الإشارة هنا إلى ما كان بين اليهود والروم من تباغض قوي بسبب ما جرى عليه أباطرة الدولة الرومانية من اضطهاد اليهود في تلك الأيام، وقد بلغ هذا التباغض حده في أيام هرقل فثار اليهود في أنطاكية وقتلوا بطريقها ومثلوا بجثته تمثيلا قبيحا، فأرسل إليهم هرقل فقتل منهم جمعا غفيرا، وثاروا في صور عاصمة فينيقية وقتلوا واليها، وتآمر يهود صور ويهود فينيقية وفلسطين على أن يدخلوا مدينة صور ليلا ويقتلوا النصارى، فاطلع مطران صور على المكيدة وأخبر الوالي بها فأمر الوالي الحامية والبوابين والحراس بأن يكونوا تلك الليلة على حذر، ولما جن الليل هجم اليهود من خارج السور فردهم الجند على أعقابهم، فرجع اليهود إلى الأديرة والكنائس القائمة بجوار المدينة فهدموها وسلبوا آنيتها، وفعلوا مثل ذلك فيما جاورها من القرى، فعاقبتهم الحكومة بقتل كل يهود صور.
وحدث مثل ذلك في قيسارية فلسطين فأرسل الملك أخاه ثاودورس فقتل من كان فيها من اليهود، فاشتد غيظهم على المملكة في كل أنحائها، وزاد الروم خوفا من اليهود وحذرا منهم أن بعض أهل التنجيم أنبأوا الملك أن رجلا من أهل الختان سيأخذ المملكة منه، ويقول العرب إن المراد بأهل الختان المسلمون، ومما فعله اليهود من الفظائع نكاية في الروم، أنهم اشتروا من الفرس ثمانين ألفا من أسرى النصارى وذبحوهم.
ولم يكن التباغض مقصورا على ما بين اليهود والروم، لكنه كان بينهم وبين النصارى على الإجمال، وكانت حكومات النصارى إذا سنت قانونا خصصت بنودا منه لليهود لمعاملتهم بالاحتقار، كما فعل القوط حكام إسبانيا قبيل زمن الفتوح الإسلامية فقد سموا اليهود أعداء الحكومة القوطية، وكانت المجالس الملية في تلك المملكة قد قررت إلغاء الديانة الإسرائيلية فأمرت الحكومة بمنع اليهود من الاحتفال بأعيادهم، وأجبرتهم على النصرانية وضيقت عليهم تضييقا شديدا حتى اضطروا للتظاهر بالنصرانية وقلوبهم ما زالت يهودية تكاد تنفجر حقدا وكظما على ما نالهم من صنوف العذاب، ولم يكن القوط يجهلون تكتمهم ولذلك لم يكونوا يعاملون المتنصرين منهم معاملة المسيحيين الأصليين، بل حرموهم من كل الحقوق المدنية وحظروا عليهم اقتناء العبيد وتمادوا في إذلالهم حتى منعوهم من القراءة، فهل نستغرب بعد ذلك إذا كان اليهود عونا للعرب المسلمين على حكامهم المسيحيين ...؟ (6) حالة الفرس الداخلية
أما الفرس فقد كانت حالتهم الاجتماعية في غاية الانحطاط قبل الإسلام بمدة طويلة لانشقاق عصاهم بتشعب المذاهب عن ماني ومزدك، ومن غريب دعوى هذا الأخير أن إلهه بعثه ليأمر بشيوع النساء والأموال بين الناس على السواء، لأنهم أخوة أولاد أب واحد، وتبع هذا المذهب قباذ أحد ملوكهم، فجاء بعده من نقضه وأقام غيره وتشعبت الآراء هناك وفسدت الأخلاق، وفيما كان الروم والفرس على ما ذكرناه من الانحلال كان العرب في إبان نهضتهم، وقد اجتمعت كلمتهم واشتد أزرهم بمن كان يهاجر إليهم من رجال الروم والفرس أنفسهم، فرارا من تغالب الأحزاب أو ضعف الحكام.
انتشار الإسلام
يبدأ تاريخ الإسلام بالهجرة، فقد هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة، فرارا مما كان القرشيون يسومونهم إياه من الخسف والإهانة وهم قليلون لا يقوون على دفعهم، وقد رأوا من أهل المدينة مؤازرة ونصرة بما أظهروه من البيعة المعروفة ببيعة العقبة فأمر النبي المسلمين بالهجرة إلى المدينة فلاقاه أصحابه هناك بالترحاب وأنزلوه وأنزلوا الذين هاجروا معه على الرحب والسعة. (1) التعاهد بين المهاجرين والأنصار
Page inconnue