Histoire de la civilisation islamique (Première partie)

Georges Zaydane d. 1331 AH
152

Histoire de la civilisation islamique (Première partie)

تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)

Genres

1

وقد تولدت هذه المناصب في دولة المماليك بالتدريج حسب الأحوال، ومن أكثر السلاطين عملا في ذلك السلطان ركن الدين بيبرس البندقداري، فإنه من كبار المؤسسين لهذه الدولة.

ولهم في تدريب ذلك الجند طرق خاصة بهم، يبدأون به منذ دخول المملوك في ملك السلطان: إذا قدم تاجر عرض مملوكا على السلطان يشتريه ويجعله في طبقته، ويسلمه إلى الطواشي برسم الكتابة، فأول ما يبدأ تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن، وكانت كل طائفة لها فقيه يأتيها كل يوم، ويأخذ في تعليمها القرآن ومعرفة الخط، والتمرن بآداب الشريعة الإسلامية وملازمة الصلوات والأذكار، وكان الشائع إذ ذاك أن لا تجلب التجار إلا المماليك الصغار، فإذا شب الواحد من المماليك علمه الفقيه شيئا من الفقه وأقرأه فيه مقدمة، فإذا صار إلى سن البلوغ أخذ في تعليمه فنون الحرب من رمي السهام ولعب الرمح ونحو ذلك، فيتسلم كل طائفة معلم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه، وإذا ركبوا إلى لعب الرمح أو رمي النشاب لا يجسر جندي ولا أمير أن يحدثهم أو يدنو منهم، فينقل عند ذلك إلى الخدمة وينتقل في أطوارها رتبة بعد رتبة، إلى أن يصير من الأمراء، فلا يبلغ هذه الرتبة إلا وقد تهذبت أخلاقه وكثرت آدابه، وامتزج تعظيم الإسلام وأهله بقلبه، واشتد ساعده في رماية النشاب، وحسن لعبه بالرمح ومرن على ركوب الخيل.

ولما فتح السلطان سليم مصر سنة 923 ضعف أمر المماليك، لكنهم ما زالوا محافظين على جنديتهم يتوارثون تقاليدها أجيالا، حتى تولى محمد علي ففتك بالمماليك في قلعة القاهرة سنة 1811 وأباح قتلهم حيثما وجدوا، فلم ينج من أمرائهم إلا مملوك اسمه أمين بك وثب بجواده من أمام باب القلعة في أثناء المذبحة فقتل جواده ونجا هو، وانقرض المماليك وجندهم من ذلك الحين،

2

وكان جند محمد علي من الألبانيين، ثم اتخذ الجند النظامي من المصريين. (5-3) الجند العثماني الإنكشارية

وللجند العثماني تاريخ طويل ، يبدأ منذ تأسيس الدولة العثمانية، وقد بني على نظام جند السلاجقة، ثم نشأ جند الإنكشارية المشهور، أنشأه قره خليل أحد كبار رجال الدولة العثمانية في زمن السلطان أورخان، وقد نظر في تنظيمه إلى خلوه من عصبية تبعثه على التمرد

3

وكان العثمانيون يومئذ يفتحون البلاد وأكثر أهلها مسيحيون، فيدخل في حوزتهم جماعة من غلمان النصارى الذين قتل آباؤهم وأصبحوا لا نصير لهم ولا مرجع لآمالهم، فارتأى أن يربى أولئك الغلمان تربية إسلامية، ويدربهم على الفنون الحربية، ويجعلهم جندا دائما لا يخشى منه التمرد، لأنه لا يعرف عصبية غير الدولة، ولا عملا غير الجندية، ولا دينا غير الإسلام، فجندهم وسار بهم إلى الحاج بكطاش شيخ طريقة البكطاشية بأماسية، ليدعو لهم، فدعا لهم وسماهم «يكى جرى» أي الجند الجديد.

ولم يكن قره خليل هذا أول من جند غلمان النصارى، كما يظن أكثر مؤرخي الأتراك، فإن الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر فعل ذلك قبل تأسيس الدولة العثمانية، وهو متوجه إلى دمشق سنة 565ه لملاقاة عساكره العائدة من غزوة بلاد سيس، فنزل بلدا اسمه قارا بين دمشق وحمص، فأمر بنهب أهلها النصارى وقتل كبارهم، لأنهم كانوا يسرقون المسلمين ويبيعونهم سرا للصليبيين، وأخذ صبيانهم مماليك رباهم بين الأتراك في الديار المصرية، فنشأوا على الإسلام وتجندوا في الجيش التركي.

Page inconnue