والثالث : بين أخوة الدنيا بين الخلائق فى الدنيا حين يظلم بعضهم البعض وقد استن السلطان فى هذه الذنوب الثلاثة سنة أفضل بكثير عما كان لدى السابقين ، ففى عهد السابقين كان كل من يرتد عن الدين يصدر الأمر على الفور بتعذيبه وقتله عاجلا ، فأمر السلطان بأن يسجن مثل هذا الشخص وأن يستدعيه العلماء فى كل وقت وعلى مدار عام بأكمله ويتعهدونه بالنصيحة ويوضحون له الأدلة والبراهين ، ويمحون ما صار فى نفسه من شك ، فإن تاب وأناب واستغفر يطلق سراحه ، وإن أصر على غيه واستكبر يؤمر بقتله بعد ذلك.
وبالنسبة للذنب الثانى : فكل من كان يعصى الملوك أو يفر من الزحف لم يكن يأمن على روحه قط ، فاستحدث السلطان سنة بأن يقتل من تلك الطائفة بعضها لإيجاد الرهبة حتى لا تصبح عادة ، وأن يعفى عن البعض حتى يبقى الأمل فى العفو قائما ويستقر الأمر بين الخوف والرجاء وهذا الرأى أشمل بالنسبة لصلاح الحكم والملك.
أما الثالث : فقد كانت السنة فى الزمن السالف أن يضرب الضارب ويجرح على الجارح ويمثل بالغاصب والسارق والزانى كذلك ، فتم إبطال تلك السنة وحددت غرامة على الجارح تعطى للمعتدى عليه حتى يتألم الظالم وينال المظلوم منفعة ورضا ، فحينما تقطع يد السارق لا تتحقق منفعة لأحد قط ويظهر بين الخلق عيب فاحش ، كما يعاقب الغاصب بغرامة تعادل أربعة أمثال ما يعاقب به اللص ، والزانى يعاقب ببتر أنفه بحيث لا يقطع منه عضو ينقص من قوته ويكون عارا وشنارا له فى حين لا يؤثر على عمله وأمر بتسجيل تلك الأحكام فى كتاب ثم قال بعد ذلك : فلتعلم أننا قد وجدنا الناس ثلاثة أصناف ، ونرضى منهم بثلاث سياسات :
الصنف الأول : وهم القلة ، هم الخاصة وأهل الخير وسياستهم المودة المحضة.
الصنف الثانى : هم أهل السوء والشر والفتنة وسياستهم التخويف الصرف.
الصنف الثالث : وهم الأكثر عددا وهم العامة وسياستهم الجمع بين الترغيب والترهيب ، فلا أمن على الإطلاق فيتجرؤون ولا رعب على الإطلاق فيتشتتون ويتفرقون ، ففى بعض الأوقات يجب القتل للذنب الذى يكون أقرب إلى العفو وأليق به
Page 39