Histoire des sultans ottomans
تاريخ سلاطين بني عثمان
Genres
وفي يوم الأربعاء 10 فبراير سنة 1908، شاع أن الصدر الأعظم عزل رضا باشا ناظر الحربية، وعارف باشا ناظر البحرية؛ اتقاء لمؤامرة ضد السلطان، فقدم شيخ الإسلام مع ناظري الداخلية والعادلية مع رئيس مجلس الشورى استقالتهم؛ لعدهم ذلك العزل مخالفا للقانون الأساسي، على أن الناس اشتد هياجهم على أثر ذلك، واعتقدوا أن الصدر الأعظم لم يعزل ناظري الحربية والبحرية إلا عندما تأكد أن هناك مؤامرة ضد السلطان، وأن مدبريها هم أعضاء جمعية الاتحاد والترقي بما فيهم ناظر الحربية، فأصبح السخط عاما على هذه الجمعية؛ لأن الشعب أصبح يحب السلطان بعد أن تظاهر بمظهر الدستوري، ومخافة أن خلعه يؤدي إلى فتن قد تسبب إلغاء الدستور، ثم حدث أن عساكر الآستانة تمردت على ظباطها، وطافوا في الشوارع معيثين بالأمن، فانضم إليهم جملة آلاف من العامة، وهجموا على «مجلس المبعوثان»، فأطلقوا على نوافذه رصاص بنادقهم. أما طلباتهم فكانت قاصرة على أن يكون الدستور وجميع الأحكام منطبقة على التربية الإسلامية، وقد انتدب شيخ الإسلام سماحة ضياء الدين أفندي لمفاوضتهم وإقناعهم بالكف عن التمرد، فلم يسمعوا.
وفي 13 أبريل سنة 1909، اجتمع مئات من الجنود بسلاحهم وقصدوا ميدان جامع أجيا صوفيا دون ظباطهم؛ لعرض بعض المطالب على مجلس الأمة، فأرسلت الحكومة فصيلة من الجنود لصدهم، فاقتتل الفريقان قتالا شديدا، وبسببه أقفلت العاصمة، واستولى الرعب على السكان، وتفاقم الخطب حتى أصبحت الآستانة ميدانا للفوضى، وتعطلت المصالح والمدارس ونظارات الحكومة، واختفى معظم أعضاء «المبعوثان».
واقتضي لتسكين هذا الهياج وتأييد الدستور زحف جنود الاتحاد من سالونيك ومقدونيا تحت قيادة شوكت باشا إلى الآستانة، فحاصروها واحتلوا مواقعها وقبضوا على الجنود الثائرين في يوم الجمعة 23 أبريل سنة 1909. وفي يوم السبت 24 أبريل سنة 1909، استيقظ الناس على دوي المدافع من جهة يلدز؛ لأن السلطان أصر على المقاومة، فحصرت السراي، وبعد مدة أرسل قومندان الاحتلال إلى جواد بك قائد جنود يلدز إنذارا بالتسليم فسلم، ولكن بعض الجنود الذين بداخل السراي لم يقبلوا بالتسليم. وفي صباح يوم الأحد حملوا ستين مدفعا وطافوا في الشوارع، فضربتهم جنود الاتحاد وفتكت بهم عن آخرهم. أما السلطان فسلم يوم السبت مع رجاله من طاهر باشا إلى نادر أغا وعبد الغني أغا وكل أغوات القصر، وقبل التسليم طلب التأمين على حياته فأجيب طلبه، وعند ذلك نقل إلى سراي «طولمه بغجة»، وأعلنت الأحكام العرفية في الآستانة، واستلم أحكامها محمود شوكت باشا قائد الجنود الفاتحة.
واجتمع مجلس النواب في سان إستفانوس وقرروا خلع السلطان عبد الحميد، بعد أن صدرت الفتوى بذلك، وأعلن خلعه في يوم الثلاثاء 27 أبريل سنة 1909، الموافق 7 ربيع الآخر سنة 1327، ونودي بحضرة رشاد أفندي سلطانا باسم السلطان محمد الخامس، ثم نقل السلطان عبد الحميد المخلوع من الآستانة إلى سالونيك، وهناك وضع في سراي اللاتيني تحت الخفارة مع أربعة من نسائه، وهو باق فيها إلى الآن، وعين له المرتب اللازم بعد أن صودرت جميع أملاكه وأمواله ومجوهراته، فسبحان الدائم الذي لا يتغير.
السلطان الخامس والثلاثون
سيدنا ومولانا الخليفة الأعظم أمير المؤمنين وسلطان العثمانيين السلطان محمد خان الخامس رشاد الدين ابن السلطان عبد المجيد خان
هو السلطان الدستوري الطيب الأخلاق، الحميد المآثر، المحبوب من رعاياه، وفقه الله إلى ما يحبه ويرضاه، أشرقت شمس أنوار جلالته في عالم الوجود عام 1844م، فكانت تلك السنة سنة خير وبركات على الممالك المحروسة العثمانية، وشب جلالته مع أخويه السلطانين مراد وعبد الحميد على ما يشب عليه أصحاب النجابة آل البيت السلطاني، وعرف عن جلالته - أعز الله به العثمانيين - حسن خلقه، ولين عريكته، وميله إلى رعيته، وعنايته بفقرائهم، حتى كان يسميه الناس بأبي الفقراء وسيد الرحماء، وانخرط في سلك الجندية على عهد ساكن الجنان عمه عبد العزيز خان إلى أن نال رتبة فريق، وكل رسومه القديمة هي برتبته العسكرية.
وما زال حرا في غدوه وإيابه يعمل لخير العثمانيين، ويهتم بشئون الدولة إلى أن خلع السلطان عبد العزيز، ثم وليه خلع أخيه ساكن الجنان السلطان مراد خان، وتولى الأمر السلطان عبد الحميد، فحجر عليه كما حجر على عموم أهل البيت المالك. وذلك الحجر هو التزامه سرايه، فلا يخرج منه إلا وطائفة الجواسيس محدقة به، ملتفة حوله، وإذا عاد إليها لازمه الجواسيس كظله، فلا يجرؤ أن يتصل به أحد من العثمانيين، وظل على تلك الحالة السيئة مدة حكم عبد الحميد الطويلة إلى أن أعلن الدستور المبارك، فخرج للناس، وأنسوا بجلالته غاية الاستئناس، ووجدوا فيه الخلق الرضي، والنفس الشريفة، والمبادئ الدستورية، حتى حسبوه مثالا حيا لمدحت باشا كما قال أدباء الأتراك.
ولما حدثت حوادث 13 أبريل سنة 1909، وانجلت عن خلع السلطان عبد الحميد في 27 منه، نودي بجلالته خليفة للمسلمين، وسلطانا للعثمانيين، فاستبشر العالم الإسلامي بجلالته، واغتبط العثمانيون بتوليته العرش متفائلين خيرا.
وقد حقق جلالته الظنون بما أظهره من حسن الاستعداد، والسعي المتواصل لخير الأمة، فضلا عما أظهره من حسن السياسة ، وحبه لرعيته، وسعيه المتواصل لتقدمها ونجاحها، وفي كل يوم لنا من جلالته آلاء محمودة، وآثار بارة مشهودة، فالله المسئول أن يمدنا بطول بقائه فخرا وذخرا؛ ليتجدد به مجد المسلمين، وفخار العثمانيين. آمين.
Page inconnue