Histoire des sultans ottomans
تاريخ سلاطين بني عثمان
Genres
إذا كانت الساعة لم تحضر بعد فباطلا تخوفني، وإن لطخت يدك بدمي الطاهر، فتكون يدي كالطوق في عنقك يوم القيامة، واعلم أني الآن تجاوزت من العمر حد الثمانين، قضيت معظمه في خدمة الدولة بالصدق والإخلاص، ولا أتأسف على موتي، ولكن لو أنصف الدهر لكان الأجدر بك أن تموت جزاء خيانتك.
ولما اتصل كلامه بمسامع خسرو باشا أرسل فقتله وظبط أمواله، ثم قتل أبا بكر الدفتردار ووزع أمواله على الجنود، وبعد ذلك تقدم خسرو باشا إلى بلاد الأعجام، فأخرب سراية حصن باد وهمدان وغيرهما، واقتفى أثر الأعجام فهربوا من أمامه، ثم حاصر مدينة بغداد جملة أيام وارتد عنها خاسرا، ثم قطع نهر الدجلة، وأخرب الجسر خلفه. ومن وفرة أعماله القبيحة صدر الأمر بعزله، ونصب مكانه حافظ باشا، فهاجت الجنود، وعادوا إلى القسطنطينية فتجمعوا في فسحة آت ميدان، وأخذوا يطلبون قتل الذين كانوا السبب في عزل خسرو باشا، وهم: الصدر الأعظم، والمفتي يحيى أفندي، والدفتردار مصطفى أفندي، ونديم السلطان حسن أفندي، ثم طلبوا أيضا رءوس بعض الوزراء، فردعهم السلطان ووبخهم، غير أنهم لبثوا مصرين على طلبهم وتهددوا السلطان بالعزل، وكان حافظ باشا قد حضر إلى الآستانة واستتر في هذه الحادثة وراء ستار كان داخل القاعة الكبرى حيث كان العساكر مجتمعين، فلما سمع منهم ذلك خرج من خبائه وجاء إلى وسطهم وسجد أمام كرسي الجلالة الشاهانية، ثم نهض قائلا:
يا أيها الباد شاه، يهلك ألف عبد نظير عبدك حافظ ولا تسقط شعرة من رأسك أو مسمار من كرسيك، فأتوسل إليك بحق جلالتك وسلامة قلبك أن تتركهم يقتلوني؛ كي أموت شهيدا، ويسقط دمي المسفوك على رءوسهم، ولكن أطلب من إحسانك الملوكي أن تأمر بدفن جثتي في إسكودار.
ثم انثني وقبل الأرض قائلا:
بسم الله الذي لا إله إلا هو، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وبعد نهاية كلامه، تقدم بوجه باش وقلب منكسر نحو الجنود ليقتلوه، فهجم عليه بعضهم وطعنه بخنجر، فخر على الأرض قتيلا، ثم تحولوا إلى حسين أفندي، نديم السلطان، فأماتوه، وارتضوا بعزل المفتي، أما الدفتردار فهرب، وعقيب ذلك سكن الاضطراب. وكان خسرو باشا علة هذه البلايا مقيما في مدينة قونية ينتظر نتيجة شروره، وحينئذ صدر الأمر إلى مرتضى باشا أن يتوجه بالجنود واليا على ديار بكر، ويقتل في طريقه خسرو باشا، ويستولي على أمواله، غير أن خسرو كان يبلغه سريعا كل ما يحدث بالآستانة، فلما وقف على ذلك الأمر شرع يتحصن في منزله مع جماعته، ولما وصل مرتضى باشا إلى قونية أعلم القضاة بأمر السلطان، وقتل خسرو باشا، واستولى على أمواله التي بلغت نحو مائتي ألف ذهب دوكة، وأرسلها إلى السلطان.
وحدث بعد ذلك أن الأمير فخر الدين معن حاكم جبل لبنان شق عصا الطاعة وتمرد على الدولة، فعاهد ملك توسكان وسافر إلى فيورنسه ليؤيد العهد بذاته، بعد أن حارب عساكر السباهية التي كانت تحت قيادة خسرو باشا في دمشق وأعدم منهم عددا وفيرا، فأرسلت الدولة عسكرا لتأديبه سلمت قيادته إلى كوشك أحمد باشا والي دمشق. وبعد قتال عنيف انخذلت جنود الأمير فخر الدين، واضطر إلى الهروب، فاختفى في مغائر نيحا الكائنة في أطراف مقاطعة الشوف من أعمال لبنان. وقد حاصره أحمد باشا هناك، وطفق يحتال على فتح منافذ لتلك المغائر، فصنع حراقات عظيمة ووضعها على تلك الصخور الحاجزة، وصار يصب الخل عليها حتى تفتتت وتمكن من فتح منفذ منها، وإذ ذاك أرسل الدخان من ذلك المنفذ إلى الداخل؛ حتى اضطر الأمير فخر الدين إلى التسليم، فأخذه أحمد باشا إلى القسطنطينية، ولما امتثل بين يدي السلطان عفا عنه حلما وكرما، ووضع ولديه الأمير مسعود والأمير حسين في مكتب المماليك في غلطه سراي. وبعد أن أقام فخر الدين مدة من الزمن، وردت الأخبار إلى إسلامبول بأن ابنه الأمير ملحم معن جاهر بعصيان الدولة، ونهب مدينة بيروت وصيدا وصور وعكا، وحارب جنود أحمد باشا والي دمشق وكسرهم، فغضب السلطان من هذه المنكرات التي حصلت بدسائس الأمير فخر الدين، فأمر بقطع رأسه، فقطعوه على باب السراي، ثم أمر بقتل ولديه، فقتلوا الأمير مسعود، أما الأمير حسين فقد اختفى في غرفة أحد المماليك، ولما ظهر عفا عنه وبعثه رسولا من قبل الدولة إلى الهند.
ثم سار السلطان بالجنود إلى فتح بغداد وتخليصها من أيدي الأعجام، فوصلها بعد ثلاثين يوما، وفي اليوم الثاني من وصوله إليها أمر الجنود بالهجوم، فوثبوا عليها وافتتحوها عقيب مقتلة دموية. وبعد ذلك رجع السلطان من بغداد تاركا بها عشرة آلاف جندي لمحافظتها، وفي عام 1402 حصل حريق في القسطنطينية أتلف نصفها، ثم مرض بداء النقرس لسبب ما كابده من الأتعاب والمشاق في فتوحاته، وتوفي في اليوم السادس من شوال سنة 1049 هجرية.
عاش 29 سنة، قضى منها 17 سنة سلطانا، وكان أنيس المحاضرة، يحب البذخ وركوب الخيل، ويقال: إن معالف خيله كانت من الفضة الخالصة، وكذلك السلاسل والأرسان، وكان عنده من جياد الخيل نحو الثمانمائة حصان لركوبته، وثمانمائة أخرى لنقل أمتعته وقت السفر، وخمسمائة لنقل أمتعة دائرته، و600 لنقل خزينته، و880 لنقل الخيام، وكان كل واحد من مماليكه له 30 فرسا من جياد الخيل. رحمه الله رحمة واسعة.
السلطان الثامن عشر
Page inconnue