Histoire des sultans ottomans
تاريخ سلاطين بني عثمان
Genres
أما القسطنطينية فهي محاطة بالأسوار الكبيرة المربعة، وسور عال جدا، وبأبراج كبيرة مربعة يبلغ عددها نحو 20 برجا - كان قد شادها ملوك اليونان منذ الجيل الخامس عشر - ولم يزل بعضها إلى اليوم متينا. أما قلعة السبعة أبراج المتصلة بالأسوار، فهي معدة اليوم حبسا عموميا للحكومة، على حين كانت قديما من جملة أبواب المدينة، ويقول المؤرخون: إن القسطنطينية كان لها ثلاث وأربعون بوابة، ثم صارت إلى اثنتين وعشرين بقي منها إلى الآن سبع بوابات. وقال مؤرخو الإنكليز: إن فيها أربعمائة وخمسة وثمانين جامعا، وفيها مآذن كثيرة شاهقة في الجو، وبها ما ينوف عن الألفي حمام، وأشهر هذه الجوامع جامع أجيا صوفيا المتقدم الذكر. ولأجل زيادة الإيضاح نقول: إن الذي بناه هو الملك جوستينيان الأول، أحد ملوك الشرق، سنة 531ب.م، وتم في سنة 538. وقد اشتغل فيه مدة سبع سنوات ونصف مائة مهندس مع مائة قلف وعشرة آلاف فاعل، وطوله 270 قدما، وعرضه 243. وهذا الجامع - كما تقدم القول - كان كنيسة عظمى في أيام النصارى من أحسن كنائس الدنيا، ويوجد خلافه سبعة جوامع ملكية كلها مزينة من الداخل بالرخام، ومن الخارج بالمناهل، ولأكثرها مستشفيات ومكاتب لإغاثة الفقراء، ثم إنه يوجد في الآستانة ما ينيف عن مائتي مستشفى للمرضى، وتسع مارستانات للمجانين. وخارج جامع أجيا صوفيا توجد ساحة مربعة فيها أربع مآذن، وفي وسطه قبة عظيمة وسطها يعلو الأرض 180 قدما، وقطرها 115، وأسفلها محاط برواقين محمولين بين اثنين وستين عامودا، وقد خربتها الزلازل التي دمرت المدينة في أوقات مختلفة، فتجددت ثانية.
وأبواب هذا الجامع من النحاس الأصفر منقوش عليها تماثيل قديمة من عهد بانيه، ولم يزل على سقفه آثار من الصور؛ منها: صورة سيدنا عيسى عليه السلام، وصورة الملك قسطنطين، ويوجد في داخله 170 عمودا جميلا من الحجر السماقي والرخام، وعلى كل منها تاج قد زاغ عن أصله الهندسي بالنظر لما حصل فيه من التغيير والتبديل. ويظن أن هيكلا عظيما كان هناك فهدم، وعلى دائره ممشى يصعد عليه بسلم حلزونية عجيبة، وفوق المنبر يخفق سنجق السلطان محمد الفاتح. أما الآن فقد تبدلت الهيئة القديمة، ولم يبق منها إلا الأثر بعد العين، وقد كانت جدران هذا الجامع مزدانة بالنقوش المذهبة التي لما نظرها الطيب الذكر السلطان محمد الفاتح أمر بأن تغشى بالآجر كي لا ترى. وفي عهد السلطان عبد المجيد خان نزع عنها الكلس، وترمم ما فقد من الجامع المذكور حتى عاد إلى رونقه الأول، ثم إن كثيرا من المائة والسبعين عامودا المذكورة قد جلب من هيكل الشمس في بعلبك، ومن هيكلي الشمس والقمر في هاليبولي من مصر، ومن جامع ديانه المشهور في أفسس، ومن أثينا ومن جزائر بحر الروم.
أما جامع السلطان سليمان العظيم الملقب بالسليمانية، فهو أجمل ما يكون في القسطنطينية، بني في أواسط الجيل السادس عشر، وكمل عام 1556ب.م. أما الجوامع المشيدة، وتحسب من الطراز الثاني بالنظر إلى كبرها، فهي جامع السلطان أحمد ومحمد الثاني.
وفي القسطنطينية ساحة عظيمة تدعى ساحة آت ميدان كانت معدة لسباق الخيل طولها 900، وعرضها 450 قدما، وفيها مسلة من حجر الصوان بقطعة واحدة، جيء بها قديما من مدينة سيبس قاعدة مملكة الفراعنة ملوك مصر. وهذه المسلة قد بناها ثاوادسيوس الكبير، أحد ملوك الرومانيين. وفي الساحة الكبيرة يوجد العامود المتعطل لقسطنطين الملك معرى ومنزوعا عنه تمثاله النحاسي المصبوب صب رمل من عمل الأتراك في أول ما اغتنموا المدينة. وبين المسلة وعمود قسطنطين عامود آخر من نحاس أصفر على شكل حبل ملفوف، ويسمى عامود الحية؛ لأن عليه ثلاث حيات عظيمة متشابكة مع بعضها البعض، أقامه اليونانيون رصدا لتنفير الأفاعي، كما جرت العادة عندهم في بعض الخرافات. وكانت الحيات حاملة الكرسي المصنوع من ذهب في هيكل مدينة دلفي على ثلاثة قوائم كان يجلس عليها في الأزمنة القديمة الكاهن وأحد العرافين؛ لأخذ الوحي من الوثن جوابا على ما يسأل من أمر مهم يختص بمعرفة المستقبل، وكان يجلس على هذه الكراسي عدد معلوم من النساء، وقال بعض المؤرخين: إنهن عشرة كن يخبرن بروح النبوة، ويسكن في عدة أقسام مختلفة من بلاد العجم واليونان وإيطاليا.
وفي قسم آت ميدان من الجهة الشرقية يوجد الباب العالي؛ حيث يجلس الصدر الأعظم ورجال الدولة الفخام، وبالقرب منه السرايا المعروفة بطوب قبو سراي، وهي السراي التي جددها السلطان محمد الفاتح المنفصلة عن المدينة بسور متين، ولها ثمانية أبواب بعضها من جهة المدينة، وبعضها من جهة البحر. وطول هذه السراي نحو ستة آلاف ذراع ، ومبنية على مركز وقاعدة البزنتيوم، وتعد من السرايات الشهيرة العظيمة. تحيطها جنينة فسيحة تشب فيها الأشجار الشامخة في الجو، وعلى أطرافها الباب الهمايوني، وهو مدخل للسراي الخارجة المباح للجميع أن يدخلوا إليها، وهو عظيم الارتفاع على شكل دائرة تغشاها الكتابات العربية، وقائم عليه خمسون بوابا خفراء، وعلى أحد طرفي الباب كان هرم يدعى هرم الجماجم، كانت تعلق عليه رءوس المجرمين مكتوبا عليها ما يدل على ماهية الذنب الذي بسببه حكم على صاحبها بالقتل، وعند أطراف تلك السراي فسحة رحبة يقوم عليها بناء يشتمل على قبة قديمة شادها الملك قسطنطين الكبير، وهناك دار الأسلحة يوجد فيها جميع أنواع الأسلحة القديمة العهد معلقة على الترتيب، وهي مؤلفة من دروع وزرديات وسيوف ورماح وآلات إطلاق البارود وما شاكل ذلك من أدوات الحرب، وهناك أيضا أربعة أشخاص من الخشب عليها ملابس حديدية التي كانوا يلبسونها قديما؛ أحدها مرتد بزي الشراكسة، والثاني بزي أهل الفلاح، والثالث بزي الإنكشارية، والرابع بزي العسكر العثماني، ثم وبالقرب من تلك الفسحة توجد بقعة أخرى فيها الديوان الكبير، وأمامه سماط من شجر السرو على صفين ينتهي إلى قاعة الديوان المشيدة من الرخام المزدان بالنقوش الذهبية، وفيما يليها توجد دار عظيمة فيها كرسي الحضرة الفخيمة الشاهانية تحت قبة عالية مصنوعة من حجر الرخام، وعلى جانبها سراي الحرم المصون، وهناك حمام السلطان سليم الثاني وفيه 32 حجرة، ومن هناك تنظر الخزينة الملكية والضربخانة ودار الكتب وباب المالية والأوقاف. أما الحدائق المحاطة بالسراي فحدث عنها ولا حرج؛ فأغصان أشجارها تتدلى على مماشيها بنوع يبهج الناظر، وينابيع المياه المنبجسة من أعمدة الرخام القائمة فيها تتدفق كأنهار تجري في جنة غناء. أما زخرفة السراي العثمانية فلا شيء يفضلها في الجمال، لا سيما ما يختص بالذات الشاهانية؛ فإن حجرة عظمتها فيها منتهى التأنق والتحسين، وهي مغشات بالقماش الصيني الفاخر، وأرضها مفروشة بالطنافس الثمينة والتخت من فضة الكانوبا، والوسادات والأفرشة السفلى وملاءات اللحاف كلها وثائر منسوجة من قماش ذهبي.
وبالقرب من آت ميدان يوجد نفق تحت الأرض يدعى بينك برديراده، أي ألف عامود وعامود، كان قيسارية قديمة معروفة بقيسارية ألف عامود وعامود، وهي طبقتان مركبة على أعمدة غليظة من الحجر، وأكثر أعمدتها مطمورة بالتراب، وبالقرب منها يوجد العمود المحروق، وهو غليظ وطويل، ومن الحجر الرملي عليه تماثيل أشخاص وكتابات قديمة، ويقال: إن قوما من اليهود اشتروه من أحد الملوك العثمانيين؛ لظنهم أنه مصنوع من معادن ذهبية توهما منهم بكثرة لمعانه، ثم أحرقوه ليستخرجوا ما فيه من الذهب؛ ولذلك دعي بالعمود المحروق، وقد شاده الملك قسطنطين الكبير، وكان علوه أولا 130 قدما، وفوقه تمثال أبولون من نحاس، وهو بمثابة رجل عظيم البنية مثل الجبار، ويقال بأن صانعه كان فيدياس النقاش الشهير، ولما حدثت الزلزلة في إسلامبول عام 1150 تعطل ذلك العامود وسقط، ولم يبق من علوه إلا 90 قدما. وأبولون هو إله اليونانيين والرومانيين القدماء كانوا يعبدونه، ويعتقدون أنه الشمس مصدر الحرارة والضياء، وأنه المتولي صنعة الرمي بالقوس، وأمر النبوة، وصناعة الطب، وفن الموسيقى.
ومما يستحق الذكر أيضا في القسطنطينية الخانات المشاعة التي شادتها الحكومة لينزل فيها المسافرون من التجار، ويقيمون بها مجانا؛ ترغيبا لهم في جلب السلع والبضائع توسيعا لنطاق التجارة. أما أسواق المدينة فهي فسيحة جدا، وأشهرها سوق البازستان، وهي مبنية بالحجارة، ولها أبواب لا تفتح إلا في أوقات معلومة من النهار، وفيها أقدم تجار المسلمين وأغناهم، وبها تباع الأسلحة الثمينة، والملابس الفاخرة، والتحف النفيسة، ويلاصق هذه السوق عدة أسواق شهيرة، مثل: قلبجي جارشوسي وأذروجارشو.
أما أهالي هذه المدينة فهم على جانب عظيم من الرقة والدعة يؤانسون الغريب، ويكرمون مثوى الضيف، مشهورون في الفنون والصنائع، ولهم حسن محاضرة ومذاكرة. امتازوا بصون اللسان عن سفاسف الكلام، والمدينة اليوم هي مطمح الأنظار، ومحط رحال السياسة، أدام الله مولانا أمير المؤمنين نورا لبهجتها، وقمرا يسطع عليها ما كرت الأيام، وتوالت الأعوام.
في أصل بني عثمان
لقد اختلف أكثر المؤرخين في أصل سلالة آل عثمان؛ فالبعض ينسبون هذه العائلة الشريفة إلى سلالة عيسى بن إسحاق، وبعضهم يذهب أنها من طائفة بني قطورة جاءت من الحجاز بسبب القحط، ونزلت في بلاد القرمان، وكل فريق من المؤرخين يسرد الدلائل التي تؤيد مذهبه، وتقوي حجته، لكنهم قد أجمعوا أنها أشرف سلالة من العشائر الإسلامية، وأن جد آل عثمان هو سليمان شاه أتى بجماعته عام 1200 ميلادية، الموافق لسنة 621 هجرية، ونزل في صحاري بلاد أرمينية الكبرى؛ حيث مكث نحو سبع سنوات اشتعلت أثناءها نار الحرب بين الخوارزمي وعلاء الدين سلطان قونية وكبير السلاجقة، فتحزب سليمان شاه إلى السلطان علاء الدين، ونزل مع جيوشه إلى ميادين الوغى، ولبث يكافح معه حتى انتصر على أعدائه بواسطته.
Page inconnue