Histoire de Constantinople
التحفة السنية في تاريخ القسطنطينية
Genres
ولنرجع الآن إلى كلامنا الأول في القسطنطينية فنقول: ومن بعد سنة 1453ب.م كما مر لم يبق من المملكة الرومانية إلا ما دخل في حوزة الغاليين. أما حدود القسطنطينية فيحدها شمالا بحر الأسود الممتد طولا سبعمائة وستين ميلا، ومن الجنوب بر الأناضول وبحر مرمرا وطوله مائة وخمسون ميلا وبوغاز الدردانيل، ومن الشرق أسكودار القائمة قبالة القسطنطينية وجزء من بر الأناضول، ومن الغرب بلاد الترك في أوروبا، ومحيط هذه المدينة اثنا عشر ميلا أو ستة عشر ألف متر، وقد قال مؤرخو الإنكليز المعول على قولهم أيضا أن إسلامبول القديمة كان محيطها أحد عشر ميلا، وهي من باريس على بعد ستمائة وستين ميلا، وعن فينا على مسافة مائتين وخمسة وثمانون ميلا، وتبعد عن بطرسبرغ نحو أربعمائة وخمسة وسبعين ميلا. أما عدد أهاليها فهو مليون ونصف فأكثر، وثلثاهم من ملة الإسلام، وسائرهم نصارى على مذاهب مختلفة، ومنهم يهود. أما الإسلام المكاثرون غيرهم عددا فهم ثلاثة أقسام:
الأول:
رجال الدولة والمتوظفون، أي أصحاب المأموريات.
والثاني:
أصحاب التجارة والأملاك.
والثالث:
أصحاب الصنايع والحرف ونحو ذلك.
أما النصارى، فالروم منهم أصحاب تجارة وبعضهم محترفون، وأما الأرمن فهم يتكلمون باللسان التركي ويكتبون به، ولكن بأحرف أرمنية، ولهم أماكن شهيرة يسكنونها، وأكثرها يدنو من أماكن الإسلام، وهم في النصارى أكثر سعة في المال والصنايع، فمنهم الصيارفة الموسرون والجوهريون وأصحاب معامل القطن والقطائف وعملة الساعات، ومنهم قوم داخلون في خدمة الدولة العلية حيث تضرب المسكوكات السلطانية، وهذه المدينة هي ثالث مدينة في وفرة ساكنيها في أوروبا. أما موقعها فإنه أجمل مكان في الدنيا، فهي كائنة على خليج البحر الأسود بين البحر المذكور وبحر مرمرا وواقعة بين أوروبا وآسيا أو على المضيق أو البوغاز الذي يصل بحر مرمرا بالبحر الأسود، وأرضها آخذت بالارتفاع شيئا فشيئا من الخليج المذكور إلى الداخل، وأما بحر مرمرا فإن بوغاز الدردانيل يصله ببحر جزائر الروم والبحر المتوسط، ولكن يفصلها عن آسيا مضيق من البحر عرضه نحو ميل أو ميل ونصف، وهو معروف بالبوغاز المذكور، وهي قائمة على سبعة تلال من أطراف أوروبا، كائنة على لسان في البحر، وهذا اللسان على شكل مثلث الزوايا، موقعه على الطرف أو الشاطئ الغربي من مدخل البوغاز الجنوبي المذكور الذي يقال له البوسفور، وكان يسمى قبلا بوسفور طراشيا، والبوسفور: لفظة يونانية معناها ممر - أو طريق - الثور، كما كان يزعم قوم أنه كان ممر الثور، وهذا اللسان هو داخل بين البحر الأسود وبحر جزائر الروم، وفي الجانب الشمالي من المدينة جدول أو فرع من البوغاز يدعى القرن الذهبي، وهو المعروف بالميناء الرائقة المنظر؛ لحسن كيانها، وهي تفصل البيرا أي بك أوغلي عن القسطنطينية، أو كما قال بعضهم أيضا إنها واقعة على مدخل جنوبي الغربي من البوسفور على شبه جزيرة مثلثة الزوايا، جاعلة القرن الذهبي - أي ميناء القسطنطينية - على ممر من البحر وبحر مرمرا.
هذه صورة القسطنطينية مع بوغاز البوسفور.
وفي آخر هذه المينا محل من الأماكن الشهيرة في المدينة تقصده الناس للتنزه، يدعى كاغدخانه، وموقعه من جهة الترسخانة في بقعة خضراء طولها نصف ميل، تجري إليها مياه عذبة في قناة مستوية، وعلى طول هذه القناة أشجار كثيرة من الحور والسرو والزيزفون والدلب ... إلى غير ذلك، وفي هذه الروضة قصر للانشراح، تحيط به جنينة بديعة مدبجة بأشكال الزهور، وقد بناها السلطان أحمد الثالث سنة 1724ب.م، وفي هذه القناة يجري الماء، ويتوسطها حاجز تنفجر تلك المياه بالقرب منه، وتسقط على ثلاث مجار مرصوفة بالصدف، حتى تنتهي إلى بركة عليها حوض من النحاس الأصفر، وعليه ثلاث حيات تخرج المياه من أفواهها، وعلى هذا الحاجز ثلاثة كشوك من الرخام الأبيض مغشاة بالنحاس المموه بالذهب، ومن هناك تبتدي القناة تضيق بالتتابع حتى تصير مجرى صغيرا فتختلط مع ماء آخر، وينحدران معا، فهذا هو القرن الذهبي - حسبما ذكر - الذي تسير فيه الزوارق حاملة رجالا ونساء وأولادا؛ لقصد التنزه والانشراح في ذلك الوادي، ولا سيما يوم الجمعة؛ فإنهم يتقاطرون زمرا وأفواجا إلى شاطئ الجدول المذكور وعدة منتزهات أخرى غير هذه، منها في غربي المدينة، كموضع والي أفندي وباقركوي وآيا استفانوس وشوربجي، وغيرها مما واقع في الجهة الشرقية ومنها في أسكودار، وكلها مزينة بالأشجار والأزهار والأبنية الجميلة والمناظر الحسنة التي تسر الخواطر وتقر النواظر.
Page inconnue