Histoire de Napoléon Bonaparte
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Genres
وقال أحدهم في ذلك العهد ما يلي: «لو عاد إلى الأرض رجل من عصر المدسيس أو عصر لويس الرابع عشر وانحط نظره على تلك العجائب العديدة فملكه الدهش فسأل: كم استوفى هذا العمل من عصور سلام ودول مجيدة؟ فأجيبوه : إنه إنما هو نتيجة اثنتي عشرة سنة حرب ونبوغ رجل واحد.»
إلا أن عهد العبادة والحماس ما لبث أن اضمحل، فلما تخلى الحظ عن الجند الفرنسي تخلى مع الحظ كل شيء، كل شيء ... إلا الشعب! الشعب الذي لم يشأ أن يميز بين نابوليون على العرش ونابوليون في المنفى، بل ظل الرجل الفرد في قلبه، كلمة المساواة ومسيح الثورة الفرنسية في أوروبا.
قال شاتوبريان عقيب رسالة بليغة حمل فيها على نابوليون ما يلي: «إن العالم إنما هو ملك نابوليون؛ فإن أخطأ الدنيا وهو حي فقد استولى عليها وهو ميت! فالجندي والمواطن، الجمهوري والملكي، الغني والفقير كلهم يضعون تماثيل بونابرت ورسومه في قصورهم أو أكواخهم، حتى إن مقهوري الأمس وقاهريه أجمعوا على أن يختموا قلوبهم على تمجيده، فما يجول أحد جولة في إيطاليا إلا ويقف بصره عليه، وما يلج ألمانيا والج إلا ويناله بالنظر فيخلد إليه إذ إن الذين زجوه عنهم في هذه الأمة قد نبت الربيع على دمنتهم أو ذهبوا.
ليس بونابرت كبيرا بكلماته، وخطبه، وكتاباته، وشغفه بالحرية التي لم يوطئ لها السبيل يوما! بل هو كبير بخلقه حكومة منظمة قوية، ومجموعة قوانين درجت عليها ممالك كثيرة، ودور عدل، ومدارس، وإدارة حازمة ما زلنا نعيش في كنفها، هو كبير؛ لأنه بعث إيطاليا وأنارها ومضى بها في سبل الرقي قدما، هو كبير لأنه جدد النظام في فرنسا بعد أن أقوت منه؛ لأنه تمكن من نواصي الطباع جميعا فما جابه رجلا إلا وتسلل إلى مداخل طبعه؛ لأنه أمال إليه جموعا من الثائرين، وكتلة غير قليلة من العلماء المتصلفين، والأدباء الفوضويين، وخطباء الشوارع، وسفاكي السجون والطرق، وبائسي المنابر، والنوادي والمشانق، هو كبير؛ لأنه سليل نفسه؛ لأنه عرف، من غير أن تدعمه سلطة إلا سلطة نبوغه، أن يخضع إليه ستة وثلاثين مليونا من الرجال في عهد لم يحط به الغرور عرشا من العروش، هو كبير؛ لأنه قهر جميع الملوك الذين وقفوا في سبيله؛ لأنه سحق الجيوش أيا كان تباين نظامهم وبسالتهم وأيا كانوا؛ لأنه طبع اسمه على شفاه الشعوب الهمجية كما طبعه على شفاه المتمدنين؛ لأنه تجاوز جميع القاهرين الذين تقدموه، وملأ اثنتي عشرة سنة من العجائب التي أوشك اليوم أن يعمى على الناس إدراكها!»
هكذا انحنى ذلك الخصم أمام عظمة الصنم الذي حاول طويلا أن يسحقه بعد أن تزيد في معاضدة الأحقاد الأجنبية والخيانات الأهلية التي هيئت للنيل من نابوليون، هكذا تزاحف شاتوبريان على استشعار الحقيقة في الدفاع عن بونابرت ضد المتهجمين الذين آلوا على نفوسهم أن يتحيفوا من حقه ويقمروه المجد الذي ما نض بيد أحد مثله، ولم يكن شاتوبريان الرجل الوحيد الذي أرغمته الصراحة النبيلة على مجاورة الحق؛ فإننا لو تمكنا من إيراد مذاهب كل عمد العصر فيه ممن فسح لهم في الفلسفة والأدب كبيرون، ولامنه، ولامرتين، وبلزاك، وهيغو، وفيني، وبلان، وكريل، وبرنجه وغيرهم لما بقي فضل لحوار ولا جدل، ولكننا نكتفي بذكر ما قاله المؤرخ الكبير، رئيس الأمة الفرنسية تيير في نابوليون: «إنه وإن كان رجل دم إلا أنه أعظم الرجال جميعا.»
إن الظروف لم تعدم رجالا مفكرين في عصر من العصور، فكلما احتاج العالم إلى فكرة جديدة لكيلا يضمحل مع العقائد، والنظم، والممالك التي كساها القدم حلة التلف مهدت له الأيام عنصرا قويا من عناصر الفكر والنبوغ فأحله الشعب محلا موفور الكرامة ... مهدت له الأيام عمدا من عمد الفلسفة السامية ليهديه إلى مطارح النور، وخطباء مبسوطي العلم بمداخل السياسة الصحيحة، وشارعين نبهاء لا ينحطون إلا على قمة الرأي، وفاتحين أقوياء يقيلون الوطن قبل أن يتحكم في شأنه غير أهله.
إن الانتصارات الكبرى، والفن العسكري، والفتوحات الغراء، وكل ما يترقى بالنبوغ في مدارج الرفعة إنما هي وحدها التي يترسمها التاريخ فيرقمها في مطاويه، وهي هي التي تقف عليها نواظر الشعوب في حياة الرجال العظماء الذين يدمرون الممالك أو يشيدونها بقوة السيف.
هو ذا القيصر الكبير؛ فإنه وإن قهر الجرمانيين، وغرس النسور الرومانية من قمة القوقاز إلى جبال كليدونيا، وإنه وإن جاز غاليا إلى إيطاليا، وروما إلى مكدونيا، وصحاري الفرسل إلى أفريقيا وأطلال قرطجنة إلى شواطئ النيل، وإنه وإن عبر البوسفور والرين، وجبال طارق والألب والبيرينه إلا أنه إنما هو يسير اسم روما ولغتها وعاداتها تحت حماية مجده الشخصي، إنه ليحمل معه عصر أغسطوس وهو يتنزى إلى مطارح الحياة والنور، ويبني أعظم وحدة سياسية عرفتها الأرض، هو ذا القيصر الكبير الذي أخذ إخذ الإسكندر في خططه، وأمده شعبه بمثل ما أمد به الإسكندر إذ لم ير فيه غير إله؛ فإنه لقد رحب بعجائب السيف واللسان نطاق ذلك المذهب السامي الذي عرف أن يدني الرفيع ويرفع الدنيء.
ولكن الدهر لم يقيض لأحد بين جميع هؤلاء الفاتحين أن يتناول من أسباب الحظ ما تناوله نابوليون الكبير؛ فإن كان الإسكندر قد فتح في الحرب فتحا أمكنه من عصر بركلس فحمله إلى مذاهب الجوزاء كما حمل القيصر عصر أغسطس، وإن كان هذان الفاتحان قد استمدا نبوغ هوميروس، وسوفوكل، وأفلاطون، وأرسطو، وشيشرون، وفرجيل وهوراس؛ فإن نابوليون حمل معه ثلاثة عصور فسح له الله في الفن، والعلم، والفلسفة، وما كان عصره أقل انطلاقا في ميدان النبوغ من عصر من تقدمه من الفاتحين: لقد اجتاز أوروبا مع مونتين وديكارت، مع كورنيل وراسين، مع فولتير وروسو، وما كانت أركان جيشه إلا جامعة متنقلة طوافة يرف فيها روح القرن الثامن عشر، وتجوب جيوب الأمم المتأخرة لتستل منها ذاتيتها الرثة وتنزلها عند طبيعتها فتتأثر بعادات أمة اعترف لها العالم بالفضل وبايعها السلطان عليه، لقد خلص نابوليون إلى غايته في كل طور نحاه؛ فإن وإن لاطف ذكريات الأريستوقراطية في فرنسا، وتملق لأوهام الحكم المطلق إذ طلاه بأنظمة زائلة تهدمت تحت ثقل القدم إلا أنه بقي ذلك الديموقراطي المبدع العظيم، ممثل تلك الثورة الكبرى التي أطلقها ميرابو مع صواعق البلاغة، ودافعت عنها جمعية السلام العام بصواعق الهول، وأيدها هو - نابوليون - ونشرها في أوروبا مع صواعق الحرب، تلك الثورة التي سميت «فرنسية» من يوم مدرجها، وما لبثت أن أصبحت وهي ثورة «عالمية».
قال الشاعر الفرنسي العظيم فيكتور هيغو كلمته في نابوليون والأدب فآثرنا تعريبها وإلحاقها بهذه المقدمة لتكون لها خاتمة صالحة: «كانت فرنسا في مطلع هذا العصر مشهدا جميلا تشخص إليه الأمم بإعجاب، وكان رجل واحد يملؤها يوم ذاك بعظمته ومجده ويجعلها كبيرة رحبة حتى تملأ أوروبا بأسرها، هذا الرجل الذي خرج من الظلمة، وكان ابن رجل كرسكي رقت حاشية حاله، قيض له في مدة لا تجاوز السنين القلائل أن يبلغ أرفع قمة من قمم الملك لم يشهد التاريخ مثيلا لها منذ نشأته، لقد كان أميرا بالنبوغ والحظ والأعمال، وكان كل ما فيه يشير إلى أنه المالك الشرعي لسلطان رباني، لقد توفرت فيه شروط العظمة الثلاثة: الحوادث، والثقة، والمسح، فالثورة ولدته، والشعب اصطفاه، والخليفة مسحه! كثير من الملوك والقواد عرفوا فيه من خلال المستقبل مصطفى القدر، لقد كان الرجل الذي قال له إسكندر روسيا قبل أن فني في تاغنروغ: «لقد اختارتك السماء!» والذي قال له كليبر قبل أن قتل في مصر: «أنت كبير كالعالم!» والذي قال له دوزه قبل أن مات في مارنغو: «أنا الجندي وأنت القائد!» والذي قال له فالهوبرت وهو يحتضر في أوسترلتز: «إني سأموت أما أنت فستملك!» أجل، إن شهرته الحربية كانت عظيمة وفتوحاته هائلة! كان كل سنة يمد حدود مملكته إلى ما وراء الحدود نفسها التي وهبها الله لفرنسا، لقد محق جبال الألب كما فعل شارلمان، ومحا البيرينه كما فعل لويس الرابع عشر، واجتاز نهر الرين كالقيصر، وكاد يقطع المانش كغليوم المنتصر! وكانت فرنسا تملك مائة وثلاثين مقاطعة يومذاك، فمن جهة كانت تصل إلى أفواه الإيلب، ومن جهة أخرى كانت تبلغ التيبر، كان ملكا على أربعة وأربعين مليونا من الفرنسيين ومحاميا عن مائة مليون من الأوروبيين، فشيد في وسط أوروبا مملكة كالقلعة الحصينة أعطاها عشر سلطات أدخلها في الوقت نفسه إلى ملكه وأسرته؛ إذ إنه وضع تيجانا على رءوس أترابه وأبناء أعمامه الذين كان يلعب معهم وهو صغير في باحة منزله في أجاكسيو، لقد أزوج ولدا تبناه من أميرة من أميرات بافيير، وأخاه الأصغر من أميرة من أميرات ويرتنبرغ، أما هو ، فبعد أن نزع من النمسا تسلط ألمانيا الذي كان قد ادعاه تحت اسم معاهدة الرين، وبعد أن نزع منها التيرول ليضيفه إلى البافيير والإيلليري ليتبعها بفرنسا، تنازل فتزوج من أرشيدوقة.
Page inconnue