Histoire de Napoléon Bonaparte
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Genres
لم تلبث الوزارة الإنكليزية أن اختارت لنابوليون سجانا آخر هو هدسن لوو! ... هدسن لوو! لا يلبث المقت والهول أن يحركا جميع النفوس الشريفة لدى ذكر هذا الاسم ... أي كيث وكوكبرن، لقد تركتما في قلبيكما بقية من الإعجاب والاحترام للبطولة والمجد والنبوغ وعظمة الشهرة والحظ؛ إنكما لم تفقها جيدا الخدمة التي عهدت إليكما! بل صور لكما، عن حسن نية، أن قد عهد إليكما بحراسة بطل فرنسا ... لقد أخطأتما الذكاء، وسقيا لهذا الخطأ! هو ذا سجان آخر فتح له في تنفيذ مآرب أسياده العظام فوق ما فتح لكما، فسيعلمكما ما كان يتطلبه منكما الانتقام والخوف، وما يستطيع أن يقوم به، بسنوات قلائل، هواء كهواء سنت هيلين ورجل كهدسن لوو!
لم يعرف كاتب من الكتبة أن يصور هذا «الخوف» الذي ذكرناه، بمثل العبارة التي صوره بها شاتوبريان عندما لفظ في مجلس الأعيان هذه الكلمات الخالدة؛ إذ قال: «كان الريدنكوت الأشهب وقبعة نابوليون موضوعة على رأس عصا على منحدر برست، تثبان بأوروبا إلى حمل السلاح!»
كان أول ما عمله هدسن لوو أن قرأ على مسمع من الإمبراطور نشرات تصور حكم نابوليون وطباعه بألوان ذميمة، وكانت إحدى هذه النشرات صادرة عن الكاهن ده براد سفير فرسوفي، إلا أن خباثة من هذا النوع لم تكن سوى ضرب من الشيطنة عند رجل متخلق بأخلاق السير هدسن. ولقد أراد هدسن لوو أن يحضر إليه جميع خدم الإمبراطور، لكي يسألهم كلا بمفرده، عن السبب الذي يدعوهم إلى البقاء في سنت هيلين بعدما سمعوا بآذانهم ما جاء بحق سيدهم في النشرات التي قرأها؛ فهذا المنهج أثار سخط الإمبراطور، وجرحه جرحا عميقا نفذ إلى صميمه، وعندما انتهى السير هدسن من استشارة الأوفياء تلك الاستشارة المهينة، جنح إلى لاس كاز ومونتولون، وقال لهما إنه مسرور وإنه سيطلع حكومته على أن كلا منهم أمضى بملء اختياره وإرادته، ثم أخذ يطنب بمناظر الجزيرة، وقال: إن الإمبراطور وحاشيته غير محقين بتذمرهم؛ ولما أظهرا له أنه ليس هناك شجرة واحدة يستظلونها، تحت سماء محرقة كهذه السماء، أجاب بخبث: «سنزرع!» وذهب عنهما من غير أن يزيد كلمة على ما قال.
كانت صحة الإمبراطور تضعف شيئا فشيئا، وفي أواخر نيسان رأى نفسه مضطرا أن يعدل عن التمتع بالحرية القليلة التي تركت له، وحرم نفسه من الخروج إلى النزهة. جاء الحاكم ليراه، فاستقبله المريض العظيم وهو مستلق على مقعد طويل، وغير مرتد ثيابه. وبعد أن ذكره بأنه رفض الذهاب إلى روسيا أو إلى النمسا، وأنه لم يرد أن يدافع حتى آخر حدود الدفاع في فرنسا، وذلك ما قد يكون أناله شروطا ذات أهمية، استطرد قائلا: «إن أعمالك لن تشرفك في التاريخ! ثم إن هناك حكمة علياء منتقمة لا بد أن تثأر منك عاجلا كان أو آجلا! وقد لا يمضي وقت قصير حتى تكفر عن إثمك! ... لقد أظهر وزراؤك بتعليماتهم أنهم يريدون أن يتملصوا مني! ولكن لماذا لم يجرؤ الملوك الذين اضطهدوني أن يصدروا أمرا علنيا بموتي؟ فقد يكون هذا الأمر أكثر شرعا من ذاك؛ وقد تكون نهاية عاجلة قد أظهرت من الجرأة، من جهتهم، أكثر مما تظهره ميتة بطيئة كالتي حكموا علي بها.»
فلم يجب الحاكم بسوى التعليمات التي زعم أنها ألقيت عليه، والتي توجب ألا يخرج الإمبراطور من غرفته إلا ومعه ضابط يرقب خطواته؛ ما جعل الإمبراطور يقول له: «لو أعطيت تعليمات كهذه لما خرجت من غرفتي قط.» وفي تلك الآونة بشر السير هدسن نابوليون، بقرب وصول مركب، يقل قصرا من الأخشاب والأثاث والمأكولات إلى لونكوود، إلا أن نابوليون لم يظهر اكتراثا كبيرا بالآمال التي حاول الحاكم أن يدبها فيه، وأخذ يتذمر من تصرف الوزارة الإنكليزية، التي تمنع عنه جميع ألوان التعزية كالكتب والجرائد، وما هو أفظع من جميع ذلك الأنباء عن ولده وامرأته، قال: «أما من جهة المأكولات والأثاث فكلانا جندي يا حضرة السيد، فلا نعلق عليها أهمية كبرى، قد تكون زرت المدينة التي ولدت فيها، وقد تكون ولجت بيتي أيضا، فوقع نظرك على أثاثه البسيط الذي لم أخجل به يوما؛ إذن، فبالرغم من أني قبضت على ناصية عرش، ووزعت كثيرا من التيجان، لم أنس قط حالتي الأولى؛ فإن مقعدي هذا وسريري الذي ترى كافيان.»
ولما انصرف الحاكم من عند الإمبراطور، بعد أن عرض عليه مرارا عديدة عناية طبيبه الخاص ورفضها نابوليون، أطلع الإمبراطور حاشيته على جميع ما ورد في حديثه مع السير هدسن، وبعد أن سكت قليلا قال: «يا له من وجه مشئوم لئيم وجه هذا الحاكم! لم أقع في حياتي ولن أقع على رجل مثله! ...» وكأن هذه التصرفات الخسيسة، التي يبديها نحوه أعداؤه الألداء، لم تكن كافية لهدم حياته العظيمة، حتى جاءت بعض مخاصمات من قبل أوفيائه أنفسهم تزيد على تعسه وبؤسه. قال لاس كاز: تمكنت الفتنة من الانسلال بين أبطال الأمانة الذين جاءوا يشاطرون الإمبراطور نفيه وليالي شؤمه، حتى إن اثنين من هؤلاء صحت عزيمتهما على البراز يوما، فبلغ نابوليون ذلك، فجمع حاشيته وقال لها: «يجب أن تكونوا هنا عائلة واحدة، لقد تبعتموني لتخففوا من آلامي، إذن فكونوا جميعكم إخوة أو تصبحوا في نظري مؤلمين! تريدون أن تجعلوني سعيدا فكونوا إخوة أو تصبحوا في نظري عقوبة وعذابا! تريدون أن تتقاتلوا تحت نظري! ألم أعد غاية عنايتكم؟ ألا ترون أنظار الغرباء شاخصة إلينا؟ أريد أن تشربوا جميعكم من روحي ... أريد أن أرى جميع من يحيط بي سعداء، حتى عمانوئيل الصغير الذي ترونه أمامكم ...»
كان الإمبراطور يشعر بأن صحته أصبحت تتطلب عناية كبيرة، فأراد ذات يوم أن يستشير الطبيب «أوميارا»،
5
ليعلم منه إذا كانت وزارته ترضى بأن تجعله طبيب الحكومة الإنكليزية لدى نابوليون، فنزل الطبيب عند مشيئته بكل طيبة خاطر، وقال له إنه أصبح من الآن فصاعدا طبيب نابوليون.
بعد أن دعا الحاكم من غير جدوى «الجنرال بونابرت» ليتناول الغداء على مائدته، اتجه إلى لونكوود، في منتصف شهر أيار؛ ليخبر أسيره بأن قصر الأخشاب قد وصل؛ أما نابوليون فاستقبله استقبالا سيئا جدا، وصرح له بأن الأميرال، بالرغم من بعض مخالفات، قد استحق ثقته به وأن خلفه لن يوحي إليه مثلها. هذا التوبيخ جرح السير هدسن، فأجاب أنه لم يجئ ليتلقى دروسا، فقال له نابوليون: «لقد قلت يا حضرة السيد بأن التعليمات التي جاءتك أكثر هولا من تعليمات الأميرال، فهل هي تقضي أن أموت بالحديد أم بالسم؟ إني لأتوقع كل شيء من وزرائك، وها أنذا أنفذ الحكم في ضحيتك! لا أفهم كيف تستعمل السم، أما الحديد فقد وجدت له وسيلة! إذا حدثتك نفسك يوما بأن تخرق حرمة داخلية بيتي، فاعلم، أن الثالثة والخمسين الباسلة
Page inconnue