قال السلطان عبد العزيز: «رحت أنا وعشرون من الخيالة، أخذ الترك خيامنا وهجم البدو على الترك فأخذوا خيامهم وهربوا.»
فسألت عظمته: «إلى أين رحتم؟»
فأجاب ضاحكا: «انهزمنا، هربنا.»
على أن أهل القصيم، عندما عادوا من إغارتهم على بادية شمر، جاءوا مركز ابن سعود فوجدوا فيه المدافع وثلاثمائة من عساكر الترك فتواقعوا وإياهم وقتلوهم، فغنموا المدافع وظلوا في البكيرية. ولكنهم عندما طلبوا عبد العزيز ولم يجدوه هناك حملوا الأسلحة الخفيفة وعادوا إلى بلادهم؛ أي إلى بريدة وعنيزة.
أشكل الأمر على عبد العزيز، فأحب أن يمتحن أهل هاتين المدينتين ليتأكد إذا كان لهم رغبة حقيقية في محاربة ابن الرشيد، فأرسل إليهم يقول: اثبتوا في مكانكم وإني مستفزع أهل نجد وراجع إليكم. فكتبوا إليه وكان أهل عنيزة أشد لهجة يقولون: إذا أنت رحلت فلا يستقيم أمر بعدك، وإذا رجعت إلينا فنحن نعاهدك في السراء والضراء، نقدم أنفسنا وأموالنا وأولادنا بين يديك، إي والله نحمي أوطاننا أو نموت جميعا.
رجع ابن سعود إلى عنيزة فخرج أهلها إليه يستقبلونه معتزين، وأخرجوا المخدرات فرحين به مزغردين، ثم عززوا قولهم فيما قدموه من مال ورجال للحرب.
عندما بلغ أهل نجد خصوصا بوادي عتيبة ومطير هذا الخبر جاءوا كلهم متطوعين مجاهدين، فاجتمع لدى ابن سعود في ستة أيام اثنا عشر ألف مقاتل، فبادر بهذا الجيش إلى البكيرية يهجم على ابن الرشيد فيها، ولكن ابن الرشيد كان قد رحل منها في اليوم السابق وهجم على الخبرا وفيها سرية لابن سعود.
دافع أهل الخبرا مع الجنود الحامية دفاعا شديدا، وبالرغم عن المدافع التي ظلت تطلق قنابلها على البلد طيلة ذاك النهار لم يسلموا، ولكنهم وقعوا في قبضة عدو جديد فعلموا لأول مرة ما هو الهواء الأصفر (الكوليرا)، وكان قد سرى إليهم من جيش ابن الرشيد بعد أن تفشى فيه من اختلاطه بعسكر الدولة. وقد قيل: إن الهواء الأصفر لم يكن معروفا قبل ذاك الحين بنجد.
عندما علم ابن الرشيد بزحف ابن سعود إلى البكيرية التي كانت المركز العام للجيش، وفيها مؤن وذخائر كثيرة، أرسل إليها سرياته الكبرى - ألف وخمسمائة خيال - بقيادة سلطان بن حمود الرشيد، فتصادموا وخيالة ابن سعود - ستمائة وخمسين - عند انبثاق الفجر قرب البكيرية، وكانت الهزيمة على الرشيديين.
ثم دخل ابن سعود البلدة وفتك بحامية ابن الرشيد فيها، فقتل أكثر رجالها وانهزم الباقون فلاذوا بالفرار، ثم طاردت خيله خيل ابن الرشيد حتى الخبرا، فرحل ابن الرشيد منها إلى الرس، فهجموا على بواديه وغنموا عددا كبيرا من الإبل، ثم تقدموا إلى الرس وكان ابن الرشيد قد نزل الشنانة على مسافة ساعة جنوبا منها.
Page inconnue