زحف إلى السماوة حيث كان ابن الرشيد، ولكن حكومة البصرة مانعت في سيره عندما وصل إلى ما بين الزبير والخميسية، فاستغرب مبارك الأمر، وطلب مقابلة الوالي فوافاه إلى قرب الزبير. وبعد المفاوضة أذن لأخيه حمود وعبد الرحمن بن سعود أن يطاردا ابن الرشيد، فلما وصلا بالجيش إلى عين صيد رحل الأمير الشمري من السماوة.
ولما عاد حمود وعبد الرحمن شرع مبارك يعد العدة للغزوة الكبرى غزوة نجد. فاستنفر القبائل فلبته مطير بأجمعها، ولباه العجمان وآل مرة وغيرهم من بوادي الجنوب، ثم جاء أبو عجيمي السعدون بعشائره من الشمال. ناهيك بأن بعض الزعماء من أهل نجد كانوا قد كتبوا إليه يعدونه بالمساعدة فانضم عدد منهم إلى جيشه، وفيهم آل سليم أمراء عنيزة وآل مهنا أمراء بريدة.
زحف هذا الجيش، وعدده نحو عشرة آلاف، يقوده الشيخ مبارك (1318ه / 1900م). فقطع الصمان ثم الدهناء ونزل على ماء دونها يعرف بالشوكة. وهناك أذن عبد العزيز بن عبد الرحمن، إجابة لطلبه، بأن يسير بفرقة من هذا الجيش، ألف رجل من البادية، إلى الرياض فيستولي عليها.
افترق الجيشان في الشوكة، فزحف عبد العزيز سعود جنوبا بغرب إلى عاصمة أجداده التي وصلها بعد يومين وكان في باكورة غزاوته موفقا. فقد احتل المدينة ما عدا الحصن الذي تحصنت فيه حامية ابن الرشيد، فعزم على حفر نفق إليه، وباشر ورجاله العمل.
أما مبارك فكان قد احتل بلدانا عدة في نجد بدون قتال، بل كان أهلها يرحبون به لعلمهم أن حليفه ابن سعود. أما ابن الرشيد فكان قد تقهقر وهو لا يريد أن ينازل جيشا أكبر من جيشه. وظل يتقهقر حتى جر العدو إلى قلب القصيم فوقف له عند الطرفية التي تبعد خمسة عشر ميلا من بريدة إلى الشمال.
وفي جوار هذه القرية، في مكان يدعى الصريف، في 26 ذي القعدة من هذه السنة /16 فبراير سنة 1901، اشتبك الجيشان وتلاحما طيلة ذاك النهار فكانت الوقعة من أعظم وقائع العرب الحديثة، ودارت فيها الدوائر على ابن الصباح وحلفائه. خسر الشيخ مبارك عددا كبيرا من قومه، وشيئا كثيرا من عتاد الحرب، فعاد ومن تبقى من الجيش منهزمين إلى الكويت.
وكان الظافر قاسيا عتيا؛ فقد أمر بقتل الأسرى أجمعين، ثم زحف إلى البلدان النجدية التي كانت قد سلمت إلى صاحب الكويت، فنكل برؤسائها، ونزع السلاح من أهلها، وضرب عليهم الضرائب الفادحة.
أما عبد العزيز بن سعود فلما علم بوقعة الصريف أخلى الرياض، التي احتلها أربعة أشهر فقط، وعاد برجاله إلى الكويت، فاستولى بعد ذلك ابن الرشيد كل الاستيلاء على نجد أجمع، ولكن هذا الاستيلاء لم يدم طويلا؛ لأن وقعة الصريف كانت فريدة في نتائجها وعواملها. هي وقعة كان الظافر فيها مغلوبا. هي أول خطوة باهرة في سقوط ابن الرشيد عبد العزيز، كما أن حملة عبد العزيز بن سعود على الرياض هي أول خيبة في فتوحاته.
الفصل الثاني
احتلال الرياض
Page inconnue