ومن أعدائه سليمان باشا والي العراق الذي لم يكن في قصده مخاتلا. فقد سير العساكر إلى الأحساء لمحاربة أهل نجد فيها، وكان ابن سعود قد احتل الهفوف والمبرز، فعادت عساكر الدولة مدحورة.
أما تويني بن عبد الله الذي كان عاملا في المنتفق والبصرة، والذي انهزم مرارا في حملاته على أهل نجد، فأمره عجيب. عندما عزله والي بغداد لجأ إلى عدوه الأمير عبد العزيز في الدرعية فأكرمه وأغدق عليه، ثم عاد فلجأ إلى الوالي سليمان عندما كان يجهز حملة جديدة على آل سعود. جاء تويني متندما، ثم جاء متبجحا: أنا الذي يجمع الأموال، ويقتل الرجال، وينتصر في كل حال. خدع الوالي ثانية وأمره على الجيش فجاء بالمدافع الضخمة يحاصر بريدة فحاصرها، وترك مثل عريعر مدافعه وكثيرين من رجاله تحت أسوارها.
لم تهزم لسعود راية في غزواته كلها وفتوحاته، ولا حالت دونها أوعار شبه الجزيرة وأهوال بواديها؛ فقد اجتازت جيوشه حتى الحرة. قال ابن بشر: «سار بالمسلمين يعتسف من الفيافي السهل والصعاب، ويطوي من أديم الأرض كل موحشة يباب، لا يسمع فيها غير أصوات العرج والذباب، يضل فيها القطا، ويحير الخريت في مهامهها لا يرى بقفرها أنيس، ولا يبصر في رحبها أثر العيس، مظمأة يحاكي لون أديمها زرقة السماء، مغبرة الأفق والأرجاء، يحس الساري بما للجن فيها من الغمغمة والزمزمة. وبعد إنضاء الأعوجيات، وإرقال المهريات
4
وسباسب الفلاة تبين له سواد الحرة.»
الحرة! تلك المفازة البركانية وهي في حصاها المسنمة وحجارتها التي كالسياخ أكثر أهوالا مما وصف، وكان في وصفه صادقا. إني أتخيل ابن سعود ورجاله يرددون دائما بيت ابن ثعلبة :
ولا تجهمني ليل ولا بلد
ولا تكائدني عن حاجتي سفر
رفعوا رايات التوحيد فيما وراء الحرة، وفي جبال شمر وعمان، وشيد سعود قصرا للحامية في البريمة على حدود مسقط ألف قدم فوق البحر،
5
Page inconnue