وقد كان عبد العزيز صريحا على عادته، فقال للفاروقي: «إذا سرتم إلى المدينة رأسا رحلنا جنود العراق، وإذا حدتم عن الطريق ذبحناهم، وسنكون عالمين بمسيركم.»
ثم دعا عبد العزيز للسماط شيوخ حرب، التي كانت قد حملت عساكر المدينة عندما جاءوا إلى نجد، وبعد الطعام خاطبهم قائلا: «أنتم جئتم بالترك من المدينة وأنتم مرجعوهم إن شاء الله، وستبقون عندنا إلى أن يصلوا سالمين.»
حمل عربان حرب العساكر وأمتعتهم وعتادهم على الجمال وارتحلوا، وبعد أسبوعين جاء ابن سعود نجاب يقول إنهم اجتازوا الحناكية ورحلتهم المدينة، فأمر إذ ذاك أن تجهز الركائب للعساكر الذين في بريدة، فرحلوا آمنين شاكرين إلى العراق.
وبعد شهرين أرسل السلطان عبد الحميد يشكر الأمير عبد العزيز بن سعود على معاملته عساكر الدولة تلك المعاملة الشريفة، ويسأله أن يرسل أحد رجاله لمقابلته. فأرسل صالح العذل ومعه اثنان آخران إلى الآستانة، فنزلوا ضيوفا على الحضرة الشاهانية، ومنحوا الألقاب والنياشين، وسمعوا من الوزراء كلاما سياسيا لم يجيبوا عليه بشيء ولا أثمر بعدئذ شيئا للدولة.
أتيح لي الاجتماع بصالح باشا العذل يوم كنت في الرياض، فألفيته شيخا جليلا يحمل في أيام السلم عصا من الشوحط، ومثل أكثر أهل نجد لا يكثر الكلام. اجتمعت به في بمخروق يوم خرج عظمة السلطان للنزهة وكنا في معيته. وكان عظمته قد حدثني عن ذاك الوفد فرغبت في التعريف إلى أحد رجاله، ففاجأني عندما كنا جالسين في ذاك الغار قائلا: «هذا صالح العذل.» ثم ناداه: «يا باشا يا باشا تعال تعرف إلى الأستاذ.» جاء صالح يبتسم وجلس مثلنا على الأرض، فسألته إذا كان قد سر في إقامته بالآستانة، فأجاب موجزا: «ما سررنا بشيء مثل سرورنا يوم رحلونا منها.»
الفصل العاشر
ليلة الظافر
بعد ترحيل عساكر الدولة إلى المدينة المنورة وإلى بغداد خرج على ابن سعود اثنان من رؤساء مطير هما فيصل الدويش ونايف بن هذال، فتحالفا وأميري بريدة وحائل عليه.
ولكن أهل بريدة ظلوا إجمالا موالين. وقد كان لعبد العزيز في تلك المدينة زوجة يزورها من حين إلى حين، فلما بلغه خبر خروج ابن الدويش وابن هذال وهما من أتباعه، سارع إلى القصيم متحققا متأهبا معا، وأرسل عندما قرب من بريدة إلى شلهوب
1
Page inconnue