ذكرت حادثة تدل على ما كان عليه من التجلد والتمرد. وإليك بحادثة من الحوادث التي تدل على ظلمه وقساوته.
يوم كان يحارب أهل القصيم مر في طريقه برعاة من تلك الناحية يحشون وهم أربعون، فأمر بالقبض عليهم، ثم بإيقافهم صفا الواحد جنب الآخر، ثم بقطع رءوسهم أجمعين. فكان كذلك. وهذه المذبحة تدعى بحادثة الحواشيش.
فلا عجب إذا كان قد فرح حتى أهل شمر، كما فرح الشيخ مبارك الصباح، عندما بلغهم خبر قتله.
الفصل التاسع
الأتراك يرحلون
كان قد عزم ابن سعود، بعد ذبحة ابن الرشيد في روضة مهنا، أن يباشر الزحف إلى حائل؛ لذلك لم يأذن لرجاله بتعقب العدو المنهزم، بل عاد بهم إلى بريدة آملا أن يضاعف صفوفهم بمن ينضم إليه من أهل المدينة، ولكنهم بالرغم عن تأكدهم قتل ابن الرشيد تقاعسوا وتذبذبوا، وكان صالح الحسن في رأس فريق من المقاومين.
لم يكن لابن سعود يومئذ القوة الكافية للزحف إلى جبل شمر ولا لمحاربة من استمروا عاصين من أهل القصيم. على أنه كان يحذر دائما أن يحس الناس بضعفه يوم ضعفه أو أن يدركوا يوم القوة حقيقة قوته؛ لذلك ترك أهل القصيم وشأنهم وأغار بمن كان معه على عدو غير صالح الحسن هو ناهش الذويبي رئيس قبائل حرب الموالين لابن الرشيد، فأدركوه وعربانه في مكان يدعى الرحا بين القصيم وحائل، وذبحوهم عن بكرة أبيهم، ثم أغاروا على قبائل من حرب في أبي مغير بأعالي نجد، فشتتوهم وغنموا أموالهم.
أما صالح الحسن فلم تفتر له همة في المؤامرات. وقد علم ابن سعود بينما هو عائد إلى بريدة بأنه اتفق وصدقي باشا على أن ينسحب عسكر الدولة من الشيحية ويحتل بريدة. فسارع عبد العزيز إلى المدينة، واجتمع هناك بزعمائها، فشكوا إليه أمر صالح ، وطلبوا عزله وإجلاءه، فقبض عليه، وأجلاه إلى الرياض، ثم أمر مكانه ابن عمه محمد آل عبد الله أبا الخيل.
أما آل الرشيد فقد تولى متعب الإمارة بعد موت أبيه عبد العزيز، وكان راغبا في السلم، فتفاوض الفريقان وتم الاتفاق على أن تكون حائل وملحقاتها وشمر لابن الرشيد، وباقي بلاد نجد بما فيه القصيم لابن سعود، ثم أطلق الأمير متعب سراح من كانوا مأسورين من آل سعود في حائل، فجاءوا بريدة وأقاموا فيها.
بعد عقد تلك المعاهدة وإجلاء صالح الحسن عاد عبد العزيز إلى الرياض، وما كاد يستريح من الأسفار حتى جاءه مخبر يقول: إن الأتراك في أطراف القصيم يحاولون استمالة بعض البادية إليهم، وإن لفيصل الدويش يدا في المسألة.
Page inconnue