Histoire de la grammaire arabe
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Genres
ظهور مشكلات غير قابلة للحل وضعت النظم موضع سؤال
غير أن تمعنات الجرجاني سرعان ما تعرضت إلى مشكلات لم يكن الجرجاني نفسه ينتظرها، وهي مشكلات أرى أنها تضع مشروع الجرجاني موضع سؤال. تكمن المشكلة الأولى في إعراض النظم عن الكلام بعامة الذي ينشأ في موقف الحياة اليومية، وعن حاجة عملية يسعى البشر بواسطته إلى أن يلبوا حاجاتهم، وأن يؤمنوها. وقد ترتب على هذا أن فقد النحو مهمته الأولى؛ أعني أن يصف ويحلل الفروق الشكلية من غير أن يكون المعنى مركز ثقل التحليل؛ ذلك أن المعنى في الظروف العادية يعود إلى المتكلم الذي يميزه، والمخاطب الذي يفهمه. ما نواجهه هنا هو الفرق بين النحو الذي يقوم على أساس الكلام بعامة في تجربة الحياة اليومية، وتصنيفه واستقرائه كما هو عند سيبويه، في مقابل النحو الذي يقوم على أساس الكلام الجميل والمعجز وقراءته من أجل معناه.
تظهر مشكلة أخرى وهي أنه بمقتضى النظم الذي يتوخى معاني النحو يتساوى الكلام بعامة في خبرة الحياة اليومية مع الكلام بنوعيه الجميل والمعجز، فيتساوى التقديم والتأخير في الكلام بعامة مع التقديم والتأخير في الكلام الجميل والكلام المعجز. والمشكلة هنا تكمن في أن الجرجاني لم يشعر بالمسافة التي افترضها بين الكلام المعجز وبين نوعي الكلام الآخرين. وأكثر من هذا أنه جعل من الكلام المعجز الذي حلله أقل روعة مما كنا نعتقد. ليس الكلام الجميل أو المعجز موضع فهم فحسب مثلما أراد أن يبرهن لنا الجرجاني؛ إنما أيضا موضع حب أو كره أو احتفاء ... إلخ. وكلام البشر جميلا كان أم كلامهم اليومي أبعد مما يمكن أن يعرف به كتاب؛ ذلك أن الحوار الحقيقي تجربة الحياة اليومية يوصل إلى أفكار لم يكن أحد المتكلمين ليتعرف عليها هو نفسه فيما لو كان وحيدا، وربما لا يستطيع؛ لأن كلام البشر مدفوع بالآخر.
ومع هذا، ورغم كل المشكلات التي أفضت إليها نظرية النظم إلا أن عبد القاهر الجرجاني عرف كيف يجعل نحو سيبويه أسلوبا للتفكير في النصوص الجميلة والمعجزة. لقد عثر الجرجاني في نحو سيبويه على جوهر فكرته الخاصة عن النظم. ويمكن أن ننظر إليه على أنه مفهوم تحليلي داخل مفهوم النحو من حيث هو مفهوم وصفي. لقد كان للجرجاني الفضل في كونه دس الفكرة القائلة بأن يكون النحو مدخلا لتذوق الكلام في الفكرة القائلة بأن يكون النحو وصف الكلام.
الفصل السادس
النحو في حدود الكلام الظاهر
لقد بدا لنا إلى الآن أن السؤال عن مفهوم النحو محرج، وهو عند النحاة أكثر إحراجا من سؤال مفهوم الشعر عند النقاد العرب القدماء؛ فكما رأينا فإن معنى مفهوم النحو أكثر من أن تحدده إجابة واحدة. وقد ترتب على هذا أن مسألة مفهوم النحو وضعت وجود النحو ذاته من حيث هو علم موضع سؤال؛ فعلم النحو يجب أن يجيب عما يجب أن يفعله النحو؛ لكن النحو إلى الآن عاجز عن ذلك بسبب عجز المفهوم عن أن يحدد ما هو المتناثر بين المشاريع النحوية التي توقفنا عندها.
عجز مفهوم النحو هو مدخل ابن مضاء في كتابه «الرد على النحاة»،
1
ومحاولة فهم هذا الكتاب ضرورية ومفيدة. وكما سنرى فيما يتلو سينصب معظم اهتمامي على تصور ابن مضاء لمفهوم النحو، وسأنتقي المسائل ذات العلاقة بمفهوم النحو؛ لذلك سأكون مؤولا وليس عارضا، وسآخذ في الاعتبار فاتحة الكتاب من منظور يبرز بنية الكتاب العامة التي قادت إلى ما اعتبره ردا على النحاة. وسأفكر انطلاقا منها من غير أن أدير بالا للمظهر البدائي الذي تتخذه أفكار الكتاب.
Page inconnue