Histoire de la grammaire arabe
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Genres
33
لماذا لم يأخذ ابن جني ما قاله الرجل في إطار الشعر الذي يقول عنه هو نفسه «يحرف فيه الكلم عن أبنيته، وتحال فيه المثل عن أوضاع صيغها»؟
34
يبدو لي أن ذلك بسبب القياس الذي تحمس له. وهكذا يشبه ابن جني الحرفي الذي توجهه المعرفة العملية؛ كتلك التي توجه النجار من حيث إلفته ودرايته بموضوعه، مما يجعله ماهرا في إنتاج ما يريد أن ينتجه؛ أي إن ابن جني حول القياس إلى معرفة عملية، وقد سطحه بهذا التحويل، فهو يقيس من غير أن يستحضر المعنى الأصلي للنحو الخالص. فلو أن سيبويه على سبيل المثال سمع من الرجل (أشئؤها، وأدأؤها) وهو يثق بفصاحته لما تردد في قبولهما والتفكير فيهما تفكيرا علميا، من جهة إيصالهما المعنى كما هي وظيفة النحو. لكن ماذا لو أن ابن جني يحكي؛ أي يفترض سياقا نسب فيه الكلام إلى رجل من دون أن يكون هناك رجل ليتحدث عن مسألة يريد أن يتحدث عنها؟ سيكون قد ركب كلاما لا يستعمل في الحياة اليومية. ما يجعلني أميل إلى هذا هو أن ابن جني وريث نحو ونحويين؛ فالنحاة والنحو المعطى له مسبقا لا يركب الكلام من دون أن يكون مستعملا، وإذا ما حدث، فينبه إليه كما فعل سيبويه في قوله: «هذا تمثيل ولم يتكلم به»؛
35
أي إن الكلام في الحياة العامة يسبق النحو، وهو الأساس الذي يعطي النحو معنى من حيث هو علم.
كلام الحياة المنسي
تكلم الإنسان قبل أن يكون هناك نحوي ونحو. لا يدري النحوي كيف تكلم الإنسان، وليس من مهمته ولا من مهمة النحو الخالص أن يعرفا؛ ذلك أن مهمة النحوي هي أن يتمعن في تركيب الكلام. ترتب على هذا أفكار في غاية الأهمية بالنسبة للنحو الخالص، فللكلام غاية وقصد، وغاية الكلام تنعكس في تركيبه، وتركيبه يناسب وظيفته، والكلام لا يعمل على العكس مما تقتضيه طبيعة تركيبه؛ لذلك فالحاجة قائمة لمعرفة تركيب الكلام. هناك توافق مفترض بين وظيفة الكلام وبين تركيبه؛ مما يقتضي العقلانية التي نشأ وفقها النحو الخالص عند سيبويه. مهمة هذا النحو المعرفية هي أن يعرف معرفة علمية ما يستعمله المتكلمون في حياتهم اليومية؛ لذلك لا يكل ولا يمل سيبويه من تنويع العبارات التي تشير إلى المتكلم في الحياة الواقعية إلى حد يمكن فيه أن نستل من الكتاب معجما تحيل كلماته إلى إرادة المتكلم ومشيئته، وظنه وإضماره، وإعماله وخياره، واقتصاده في الكلام، واستفادته من الموقف الحياتي.
تحضر الحياة خلف نحو سيبويه؛ أعني الناس الواقعيين الذين يتكلمون ويشكلون خلفية الكتاب، وقد انتبه ابن جني إلى هؤلاء وعددهم في سياق ثنائه على سيبويه وكتابه. يقول: «أحاط بأقاصي هذه اللغات المنتشرة ... كلام الصرحاء والهجناء، والعبيد والإماء ... حتى لغات الرعاة الأجلاف، والرواعي ذات صرير الأخلاف، وعقلائهم والمدخولين، وهذاتهم والموسوسين، في جدهم وهزلهم، وحربهم وسلمهم، وتغاير الأحوال عليهم.»
36
Page inconnue