Histoire de la grammaire arabe
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Genres
29
حيث وسع فيه القياس توسيعا غير معروف بالنسبة لنحو سيبويه. لقد أصبح القياس في هذا الباب حرا ومستقلا عن الكلام في الحياة اليومية، ويهتم بالغريب والطريف.
تفريغ النحو الخالص من معناه
تحول القياس إلى فن في الباب الذي خصصه ابن جني للأمثلة التي فاتت كتاب سيبويه؛ أعني أنه تحول إلى مجرد أداة فنية ابتعدت عن التفكير الذي يمنح القياس معناه. يفهم ابن جني السبب الذي جعل تلك الفوائت تفوت سيبويه، بل إنه ينص عليها؛ فما فات سيبويه يعيده إلى عدة أسباب «منها ما ليس فصيحا عنده، ومنها ما لم يسمع إلا في الشعر، والشعر موضع اضطرار، وموقف اعتذار، وكثيرا ما يحرف فيه الكلم عن أبنيته، وتحال فيه المثل عن أوضاع صيغها.»
30
دفع حماس ابن جني للقياس إلى أن يهتم لا بطبيعة النحو الخالص، إنما بما يسمح به القياس. وإحدى الحكايات التي أوردها توضح ما أريد قوله. يقول: «وقد كان طرأ علينا أحد من يدعي الفصاحة البدوية، ويتباعد عن الضعفة الحضرية، إلى أن أنشدني يوما شعرا لنفسه يقول في بعض قوافيه: أشئؤها، وأدأؤها (بوزن أشععها وأدععها) فجمع بين الهمزتين كما ترى، واستأنف من ذلك ما لا أصل له، ولا قياس يسوغه. نعم، وأبدل إلى الهمز حرفا لا حظ في الهمز له، بضد ما يجب؛ لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما، فكيف أن يقلب إلى الهمز قلبا ساذجا عن غير صنعة ما لا حظ له في الهمز، ثم يحقق الهمزتين جميعا؟! هذا ما لا يبيحه قياس، ولا ورد بمثله سماع.»
31
لقد كان بإمكان ابن جني أن يعتبر ما سمعه من الرجل كلاما ممكنا في الشعر كما هو ممكن في الحياة اليومية حتى لو لم يرد على القياس؛ لا سيما أن ابن جني وثق في فصاحة الرجل؛ حيث يقول عنه: «من أمثل من رأيناه ممن جاءنا مجيئه، وتحلى عندنا حليته.»
32
هناك حكاية أخرى لهذا الرجل مع ابن جني. يقول: «وأنشدني أيضا شعرا لنفسه يقول فيه: كأن فاي ... فقوي في نفسي بذلك بعده عن الفصاحة، وضعفه عن القياس الذي ركبه ... ولكن هذا الإنسان حمل بضعف قياسه قوله (كأن فاي) على قوله: كأن فاه، وكأن فاك، وأنسي توجيه ياء المتكلم: من كسر قبلها وجعله ياء.»
Page inconnue