Histoire de la grammaire arabe
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Genres
لقد فتح النحو الخالص الطريق أمام علل النحو بتركيزه على أن ما في حوزة العقل الإنساني، ويسعى إلى تحقيقه هو نسق المعرفة. وإذا ما وضعنا في الاعتبار ارتباط النحو الخالص بالقياس؛ فإن النحوي بفضل هاتين الإمكانيتين (التعليل والقياس) يمكن أن يبدأ من كلام لكي يقيس عليه كلاما آخر. ومن هذا المنظور يصبح التعليل والقياس منهجين عامين لمعرفة الكلام معرفة علمية. وفي هذا الإطار أفهم قول ابن جني: «واعلم أن العرب تؤثر من التجانس والتشابه وحمل الفرع على الأصل، ما إذا تأملته عرفت منه قوة عنايتها بهذا الشأن، وأنه منها على أقوى بال.»
17
ما الذي يضمن دقة التعليل والقياس عند ابن جني؟ الصورة الشاملة والواحدة لكلام العرب، فلا يوجد كلامان؛ هناك كلام واحد، وبمقتضى بنية كلام العرب القبلية يتكلم العرب، وكلامهم امتداد لفكرة كلام كلي. كلام العرب الكلي له صورة كلية تشتمل على كل صور الكلام، وهو ما يمكن أن يسيطر على الكلام عن طريق التعليل بالكيفية التي حللتها.
دافع تصور فكرة نحو ابن جني
ما الذي كان ممكنا في النحو قبل قرن ابن جني (القرن الرابع الهجري) ليغذي فكرته الجديدة عن النحو، حتى ولو عند مستوى محدود؟ تأثر ابن جني بسيبويه، لكنه تأثر مصحوب بمقاصد نقدية كما أفهمه من الأبواب التي عقدها في بداية كتاب الخصائص. يتعلق الأمر بالفصل بين الكلام وبين القول، وبالقول في النحو، وبالقول في الإعراب والبناء، وبأصل اللغة، وهي أبواب ذات صلة قليلة مع كتاب سيبوبه الذي لم يعرف اللغة ولم يتوقف عند أصلها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ثمة تأثير ابن السراج الذي سبق أن أثار فكرة أصول النحو وعلله، وهي فكرة عرفها ابن جني في قوله: «فأما كتاب أصول أبي بكر فلم يلملم فيه بما نحن عليه إلا حرفا أو حرفين في أوله، وقد تعلق عليه به. وسنقول في معناه.»
18
الكلمة الأهم في عبارة ابن جني هي (يلملم) فاللملمة في المعجم العربي تشير إلى الإحكام
19
الذي يعبر عنه العرب أحيانا بالاستدارة، كقول العرب لملم الحجر؛ أي جعله مستديرا، وإلى التنسيق كقولهم شعر ململم؛ أي مدهون ومنسق، وإلى التماسك كقولهم رجل ململم. ومن منظور هذه المعاني يمكنني أن أفهم عبارة «لم يلملم فيه» أن أثر ابن السراج في ابن جني ليس حاسما؛ لأنه لم يبن نظرية متماسكة.
يختلف الأمر مع مقاييس الأخفش الأوسط؛ لأن طابع أصول النحو عند الأخفش ارتبط بالقياس. وقد احتفى ابن جني بمعرفة الأخفش احتفاء قل نظيره إلى حد أن جعل كتابه الخصائص نيابة عن كتيب الأخفش، وجهده بديلا عن جهد الأخفش؛ احتراما ومكافأة له على الطريق الذي فتحه للمعرفة النحوية. يقول ابن جني: «على أن أبا الحسن كان قد صنف في شيء من القياس كتيبا، إذا أنت قرنته بكتابنا هذا علمت بذاك أننا نبنا عنه فيه، وكفيناه كلفة التعب به، وكافأناه على لطيف ما أولاناه من علومه المسوقة إلينا، المفيضة بماء البشر والبشاشة علينا.»
Page inconnue