Histoire de l'Égypte depuis la conquête ottomane jusqu'à une période récente
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
Genres
لما فتح العثمانيون مصر في سنة (923ه/1517م) فرضوا عليها خراجا سنويا يرسل للسلطان، يجمع من ضرائب الأملاك وخاصة الأراضي، وكانت هذه الضرائب تسمى «الميري» - أي الأموال الأميرية - وكان لكل جهة ملتزم يتعهد بتوريد ما يخصها من الخراج، ومن أجل ذلك تعفى أرضه من الضريبة، ويكلف الفلاحون زرعها له بالمجان، علاوة على ضريبة أخرى يجبيها لنفسه منهم، وكانت حقوق هؤلاء الملتزمين ومناصبهم وراثية.
وكان جانب عظيم من الأرض موقوفا على المساجد والمدارس والأربطة وغيرها من الأمور الخيرية، وهو معفى أيضا من الضريبة، ويزرع بعضه - إن لم يكن كله - بالتسخير.
2
وأنشأ السلطان سليم بالقاهرة قلما يعرف بقلم «الأفندية» لتقرير الضرائب ومراقبة جمعها وتسلمها من الملتزمين، وجعل فيه دفاتر لحصر حساب الحكومة وأخرى لتدوين انتقال الملكية.
فيعلم مما تقدم أن كاهل الفلاح كان مثقلا بالضرائب وأعمال السخرة. وليت مصابه وقف عند ذلك الحد؛ فإن ما كان يبتزه منه بيكوات المماليك أنفسهم كان أدهى وأمر، فإن كل بيك من حكام المديريات كان يفرض على محصول الأراضي ضريبة لإدارة المديرية تسمى «كشوفية»، وكثيرا ما يفرض على السكان ضرائب أخرى إضافية كما احتاج إلى المال لمحاربة نظرائه من المماليك أو مكافحة الباشا أو السلطان.
بهذه الضرائب المضاعفة - التي لم يكن لها حد معلوم - تسرب الفقر إلى أهل البلاد حتى وصلوا في أواخر القرن الثاني عشر الهجري إلى درجة من الفاقة التي لم يسبق لها مثيل. (3) المباني
لم تعد مصر بعد أن فتحها العثمانيون دولة ذات أملاك عظيمة كما كانت من قبل، بل صارت ولاية لا ثروة لها إلا من داخلها، وهذه الثروة ذاتها أخذت في الاضمحلال بتسرب الإهمال في مرافق الزراعة والصناعة، ثم إن اهتداء البرتقال إلى طريق للهند حول جنوبي أفريقيا حول التجارة المارة بين أوروبا والهند من طريق مصر إلى المحيط الأتلنتي - كما سيأتي ذكره - كل ذلك أضعف كثيرا من ثروة البلاد فصارت لا تقوى على إنشاء الآثار العظيمة التي كانت تقام من قبل.
على أنه لم ينشأ عن هذه الحالة إهمال المباني جملة؛ فالقاهرة مملوءة بالجوامع التركية، وبها من السبل والأربطة - التكايا - والوكائل والربوع التي شيدت في هذا العصر شيء كبير، وإنما نشأ عنها توخي الاقتصاد في إقامة المباني وزخرفتها، فلم تعد الجوامع تبنى بتلك السعة العظيمة التي نشاهدها في أبنية القرون السالفة، ولم يصرف على زخرفتها من المال شيء يذكر بجانب ما كان ينفق على مثلها في تلك الأزمان. ومن نتائج الاقتصاد في مباني هذا العصر أيضا أن صارت السبل والمكاتب تبنى لها أبنية قائمة بذاتها بعد أن كانت من ملحقات الجوامع.
كذلك قلت الدقة في البناء ، لقلة الثروة من جهة، ولتقهقر الصناعات من أخرى، وليس من آثار هذا العصر ما يلاحظ عليه آثار الدقة إلا القليل، ومثل ذلك شيد في أوائل عهد العثمانيين في مصر. ومن أهم هذا النوع سبيل «خسرو باشا» بالنحاسين المشيد (945ه/1538م) وهو المجاور لقبة الصالح أيوب بالنحاسين.
وقصارى القول أن آثار العصر التركي في مصر - وإن كانت جميلة في بابها - هي أقل رونقا ودقة من آثار المماليك، وسواء في ذلك المباني أو الترميمات؛ فإن هذه الترميمات لم تتناسب في أي أثر رمم في هذا العصر مع جمال البناء الأصلي، وكثيرا ما تكون أشبه بالرقع الخلقة في الثوب الجميل.
Page inconnue