110

Histoire de l'Égypte depuis la conquête ottomane jusqu'à une période récente

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

Genres

وأما المجلس الآخر فكان بمثابة مجلس الوزراء الآن.

وقد أنشأ محمد علي فوق ذلك عدة دواوين أخرى تنم أسماؤها عن اختصاصاتها، وأهمها «مجلس المشاورة العسكرية»، و«ديوان دار الصناعة - الترسخانة - أو البحرية»، و«ديوان التجارة»، وكان هذا الديوان مكونا من تجار مختلفي الجنس والديانة، يرأسهم نقيب - شاهبندر - التجار أو رئيس تجار القاهرة.

وقد اقتضت إدارته الداخلية للبلاد تقسيم القطر إلى سبع مديريات، وإلغاء الأقسام التي كانت في عهد المماليك، ثم قسم كل مديرية إلى عدة مراكز بلغت 64 مركزا، ثم قسم المراكز إلى أخطاط أي نواح، يدير شئونها موظف يلقب بالناظر، وإلى قرى يتولى أمورها العمد ومشايخ البلاد، وكان غرضه من هذا التقسيم تسهيل جمع الضرائب.

بيد أنه رغم هذه الأنظمة والتقسيمات كان يتولى شئون البلاد بنفسه منفردا بالسلطة وحده؛ فكان يفاوض سفراء الدول الأجنبية بنفسه، ويسمع شكوى رعاياه ومطالبهم بلا واسطة، ويتصرف في مالية البلاد، ويقوم بالمشروعات العامة. (4-2) التقدم المادي

أراد محمد علي أن ينهض بالبلاد بإدخال الإصلاحات الغربية فيها ابتداء، وفاته أن البلاد كانت تسبح في ظلمات الجهل، وأنها في حاجة إلى زمن كبير تنفقه في التعليم حتى تصل إلى درجة تمكنها من استثمار الأرض بالطرق الفنية، وإدارة المعامل والسير في التجارة حسبما يقتضيه النظام الأوروبي الذي عمل على إدخاله في البلاد. ولا شك أنه كان يشعر بشيء من ذلك، إلا أن الأحوال التي وجد فيها كانت تحتم عليه السير في هذه الطريق بسرعة؛ إذ كان في شدة الحاجة إلى المال للإنفاق على الجيش ودفع الجزية للباب العالي، وإرضاء أولي الشأن في القسطنطينية، ورأى أنه لا يتم له هذا الغرض إلا إذا جعل جميع موارد البلاد تحت سيطرته مباشرة؛ من زراعة وصناعة وتجارة.

الزراعة

كانت الزراعة أول عمل وجه إليه محمد علي عنايته الخاصة؛ إذ رأى أنها ينبوع ثروة البلاد، وعليها يتوقف أهم دخلها السنوي؛ فجعل زراعة جميع الأراضي تحت إشرافه، كي لا يفر أحد من دفع الضرائب، وتشدد لذلك في المحافظة على الأمن العام، فقبض بيد من حديد على عصابات اللصوص التي كانت منتشرة في جميع أنحاء البلاد.

ولم يكتف بضرب الضرائب الفادحة، بل عزم على نزع ملكية جميع الأراضي ليستغلها على نفقته الخاصة، فلما هم بإبراز هذه الفكرة إلى حيز الفعل قامت في وجهه صعوبات عظيمة كان لا بد من تذليلها؛ وذلك أن الأراضي الزراعية في مصر كان بعضها أوقافا خيرية يدير شئونها جماعة العلماء، وكان جزء آخر كبير جدا ملكا للمماليك أصحاب الشأن والنفوذ في البلاد، وما بقي كان في قبضة عامة أفراد الأمة، فاستعمل محمد علي مع كل طائفة من هؤلاء التهديد والوعيد، حتى أصبح المالك الوحيد لأكثرها؛ فإنه استولى على أملاك المماليك في الوجه البحري بعد حربه مع الإنجليز عام 1807م وطرده المماليك من ريف مصر إلى صعيدها.

واستولى بعد ذلك على معظم الأراضي الموقوفة التي كانت تحت رعاية العلماء، فجعل الوقف تحت رقابته من غير أن يحله، فاحتج عليه العلماء وتجمهروا وعارضوه معارضة شديدة، فأقنعهم بالدليل القاطع أنه الوالي من قبل الخليفة الذي يتولى أمور المسلمين جميعا، فهو أحق فرد في مصر برعاية الوقف؛ ومن هذا الوقت بقي الوقف تحت إشراف الأسرة المحمدية العلوية.

ونزع بعد ذلك ملكية الأراضي التي كانت لبقية الأفراد، مدعيا حق التسلط على كل الأراضي؛ لأنه الحاكم النائب عن الخليفة المالك للأرض بحكم الفتح الإسلامي القديم، فاستحضر كل الملاك وطلب منهم إبراز حقوق ملكيتهم، فقدموا إليه حججهم رغم أنوفهم، فكان يضرب ببعضها عرض الحائط، ويظهر بطلان بعضها، ويمني بعض الملاك أحيانا بعوض يعطاه من الخزانة. ولما أصبحت جميع الأملاك في قبضة يده جمع كل ما لديه من الحجج وأعدمها، وبتعاقب الأيام أصبح من المستحيل معرفة ما كان للمماليك أو للوقوف أو لأفراد الأمة من الأرض؛ إذ لم تقو المحاكم على معارضة محمد علي، وكانت الأهالي تحت رحمته؛ وبذلك أصبح معظم أراضي القطر في قبضة يده إلا جزءا يسيرا كان في قبضة بعض العلماء والأمراء.

Page inconnue