Histoire moderne de l'Égypte : de la conquête islamique à nos jours, avec un aperçu de l'histoire de l'Égypte ancienne
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
أما مصر فكان عليها سعيد الأزدي - كما مر - وكان عبد الله بن الزبير على بينة من أمر مصر وأهميتها؛ فأنفذ إليها عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم، وأوصاه أن يدعو الناس إلى مبايعته، غير أن سعيدا الأزدي كان لا يزال متشيعا للأمويين، فلم يقبل على دعوة عبد الله من المصريين إلا بعضهم.
ولم ترسخ قدم عبد الله بن الزبير في الخلافة إلا بعد وفاة معاوية بن يزيد؛ إذ رأى الكوفة والبصرة والموصل والعراق وقسما من مصر يدعو باسمه، فلم يعد في خشية من شيء؛ فصرح بخلافته. ثم هم بإخضاع مصر فعقد على إمارتها لعبد الرحمن بن عتبة الذي كان أرسله إليها وكيلا؛ فوصلها في شعبان سنة 64ه، وأخرج من كان فيها من دعاة الأمويين، وفيهم سعد الأزدي؛ فبايعه الناس، وفي قلوب بعضهم غل.
أما أهل الشام: فلما علموا بوفاة معاوية بن يزيد بايعوا مروان بن الحكم من بني أمية، فعظم ذلك على عبد الله بن الزبير، وقام لنصرته الضحاك بن قيس في جيش من رجاله، فساروا إلى قرب دمشق، فاتصل خبرهم بمروان، فسار من الجابية لملاقاتهم؛ فالتقى الجيشان في مرج راهط، فحصلت بينهما وقائع كبيرة شفت عن انقلاب جيش عبد الله.
وكان مروان قد أنفذ ابنه عبد العزيز في جيش من أهل الشام لفتح مصر، أما بعد ظفره بجيش ابن الزبير في مرج راهط؛ فاشتدت عزيمته، وحمل بكل جيشه على مصر. فلما علم أميرها عبد الرحمن بن عتبة بذلك أخذ في الدفاع، فحفر حول الفسطاط خندقا عميقا لا يزال أثره باقيا في القرافة، فنزل مروان قرب المطرية، ومعه عمرو بن سعد؛ فخرج عبد الرحمن إليه، واقتتلا شديدا مدة يومين، ولم يظفر أحدهما بالآخر، وبينما كان الجيشان في شغل بين هجوم ودفاع سار عمرو بن سعد في نخبة من رجال مروان قاصدا الفسطاط فدخلها، فلما علم عبد الرحمن بذلك لم ير بدا من المصالحة فتصالحا، ودخل مروان مصر في 10 جمادى الأولى سنة 65ه، فكانت مدة إمارة ابن جحدم تسعة أشهر، وفي هذا اليوم توفي عبد الله بن عمرو بن العاص فاتح مصر، فلم يستطع القوم الخروج بجنازته إلى المدافن لشغب الجند على مروان، فدفنوه في بيته قرب جامع عمرو. أما مروان فلم يكن واثقا بالمصريين وإخلاصهم، وخاف أن يستغيبوه ويعقدوا لعبد الله بن الزبير؛ فولى عليهم ابنه عبد العزيز.
وفي الحال وضع مروان يده على جميع خزائن مصر وأبطل العطاوات، فبايعه جميع الناس إلا جماعة من قبيلة المغافر، قالوا: لا نخلع بيعة ابن الزبير؛ فقطع أعناقهم وعنق ابن همام رئيس قبيلة لخم، وكان من قتلة عثمان بن عفان؛ فخافت الناس، وأجمعوا على مبايعته.
فأقام مروان في مصر شهرين، ثم عهد بمهامها إلى ابنه عبد العزيز، وهم بالرحيل، فقال له ابنه: «يا أمير المؤمنين، كيف المقام في بلدة ليس بها أحد من بني أبي؟» قال له مروان: «يا بني، عمهم بإحسانك يكونوا كلهم بني أبيك، واجعل وجهك طلقا تصف لك مودتهم، وأوقع إلى كل رئيس منهم أنه خاصتك دون غيره يكن لك عينا على غيره وينقد قومه إليك، وقد جعلت معك أخاك بشرا مؤنسا، وجعلت لك موسى بن نصير وزيرا ومشيرا، وما عليك - يا بني - أن تكون أميرا بأقصى الأرض. أليس ذلك أحسن من إغلاق بابك، وخمولك في منزلك؟»
ثم أوصاه عند خروجه من مصر إلى الشام قائلا: «أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأوصيك أن لا تجعل لداعي الله عليك سبيلا، فإن المؤذن يدعو إلى فريضة افترضها الله؛ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، وأوصيك أن لا تعد الناس موعدا إلا أنفذته لهم ولو حملته على الأسنة، وأوصيك أن لا تعجل في شيء من الحكم حتى تستشير؛ فإن الله لو أغنى أحدا عن ذلك لأغنى نبيه محمدا
صلى الله عليه وسلم
عن ذلك بالوحي الذي يأتيه. قال الله عز وجل:
وشاورهم في الأمر » وخرج مروان من مصر لهلال رجب سنة 55ه والحرب لا تزال سجالا بين دعاة مروان ودعاة عبد الله بن الزبير. (4) خلافة عبد الملك بن مروان (من سنة 65-86ه/684-705م)
Page inconnue